للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان -صلى الله عليه وسلم- يتعوّذ فيقول: "اللهم إنِّي أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والهرم والبخل، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات" رواه الشيخان من حديث أنس، وفي رواية أبي داود: "اللهم إني أعوذ بك من الهمّ والحزن وضلع الدَّيْن وغلبة الرجال".

وكان يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الجذام والبرص والجنون، وسيء


وفي لفظ للبخاري عن أنس: كنت أسمعه يكثر أن يقول: "اللهم إني أعوذ بك من العجر" بسكون الجيم- وأصله: التأخر عن الشيء, مأخوذ من العجز وهو مؤخر الشيء، وللزوم الضعف والقصور عن الإتيان بالشيء، استعمل في مقابله القدرة واشتُهِرَ فيها, "والكسل" التثاقل عن الشيء مع القدرة عليه الداعية إليه, "والجبن" خلاف الشجاعة, "والهرم" وهو أقصى الكبر, "والبخل" ضد الكرم, "وأعوذ بك من عذاب القبر" ما فيه من الأهوال والشدائد, "وأعوذ بك من فتنة المحيا" ما يعرض للإنسان في مدة حياته من الافتنان بالدنيا وشهواتها وجهالاتها, وأعظمها والعياذ بالله تعالى أمر الخاتمة عند الموت, "والممات" قيل: هي فتنة القبر بسؤال الملكين, والمراد من شر ذلك؛ إذ أصل السؤال واقع لا محالة, فلا يدعى برفعه فيكون عذاب القبر مسببًا عن ذلك, والسبب غير المسبب، وقيل: المراد الفتنة قبل الموت, وأضيفت إلى الموت لقربها منه, وحينئذ تكون فتنة المحيا قبل ذلك، وقيل: غير ذلك, والمحيا والممات مصدران مجروران بالإضافة بوزن مفعل, ويصلحان للزمان والمكان والمصدر.
"رواه الشيخان من حديث أنس، وفي رواية أبي داود: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن" بفتح المهملة والزاي, جمع بينهما؛ لأنَّ الهمَّ إنما يكون في المتوقّع, والحزن فيما وقع، فالهمّ للمستقبل, والحزن على الماضي؛ ولأن أصل الهمّ الذوبان, يقال: أهمَّه المرض بمعنى أذابه، سُمِّيَ به ما يعتري الإنسان من شديد الغم؛ لأنه أبلغ وأشد من الحزن الذي أصله الخشونة، فليس العطف لاختلاف اللفظ مع اتحاد المعنى كما ظنّ, "وضلع الدَّيْن" بفتح المعجمة واللام ومهملة- أي: ثقله وشدته, المانع لصاحبه عن الاستواء، فإن أصل الضلع الاعوجاج والميل, وذلك حيث لا يجد مَنْ عليه الدَّيْن وفاءً, ولا سيما مع المطالبة، قال بعض السلف: ما دخل هَمّ الدَّيْن قلبًا إلّا أَذْهَبَ منه مِنَ العقل ما لا يعود إليه, "وغلبة الرجال" شدة تسلطهم بغير حق تغلبًا وجدلًا، فالإضافة للفاعل, أو هيجان النفس من شدة الشهوة، فالإضافة للمفعول, وصريح المصنّف انفراد أبي داود وليس كذلك، فقد روى البخاري عن أنس: كنت أسمعه -صلى الله عليه وسلم- يكثر أن يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن, والعجز والبخل والجبن, وضلع الدين, وغلبة الرجال" وكان صلى الله عليه وسلم "يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الجذام" كغراب, عِلَّة تحدث من انتشار السواد في البدن

<<  <  ج: ص:  >  >>