فإن المفهوم من الأحاديث الصحيحة أنَّه لم يصل إلى هذه الحالة, وإن زاد في العبادة إلى الغاية, "وكان -عليه الصلاة والسلام- يعرض" بفتح الياء وكسر الراء- يدارس "القرآن كل عام على جبريل مرة، فعرضه ذلك العام مرتين" في رمضان, كما في الصحيحين في حديث عائشة عن فاطمة "أسرَّ إلي أن جبريل كان يعراضني القرآن في كل سنة مرة، وأنه عارضني الآن مرتين, ولا أراه إلا حضر أجلي"، وفي رواية للشيخين أيضًا بالجزم, ولفظه: فقالت: سارَّني أنه يقبض في وجعه الذي توفي فيه فبكيت..... الحديث. وهو يرد على قوله أولًا أنَّ أول علمه بانقضاء أجله نزول سورة النصر، فإنها نزلت يوم النحر على أبعد ما قيل, والعرض في رمضان الذي قبله, إلّا أن يقال: الإعلام من سورة النصر ظاهر للأمر بالتسبيح والاستغفار، وقول جبريل له: {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى} [الضحى: ٤] . بخلاف معارضة جبريل, فليس فيها إفصاح بقرب أجله، لكنه فهمه من مخالفة عادته؛ حيث كرره مرتين, أو أنه لما تأخر تحديث فاطمة بهذا حتى مات, لم يعلم منه أنه أوّل ما أعلم به, والذي ظهر الإعلام به أولًا إنما هو سورة النصر "وكان -عليه الصلاة والسلام- يعتكف العشر الأواخر من رمضان كل عام, فاعتكف في ذلك العام" الذي قُبِضَ فيه عشرين, وأكْثَرَ من الذكر والاستغفار"؛ لعلمه بانقضاء أجله, والظاهر من إطلاق العشرين أنها متوالية, فيكون العشر الوسط منها، ولما عارضه مرتين اعتكف مثلي ما كان يعتكف. "وقالت أم سلمة: كان -صلى الله عليه وسلم- في آخر أمره لا يقوم ولا يقعد ولا يذهب ولا يجيء إلا قال: "سبحان الله وبحمده, أستغفر الله وأتوب إليه" فقلت له: إنك تدعو بدعاء لم تكن تدعو به قبل اليوم" سمته دعاء نظرًا لقوله: "استغفر الله"..... إلخ.