للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليكم أن تشركوا بعدي، ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها".

وزاد بعضهم: "فتقتتلوا, فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم".

وعن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جلس على المنبر فقال: "إن عبدًا خيِّره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء, وبين ما عنده، فاختار ما عنده"، فبكى أبو بكر -رضي الله عنه- وقال: يا رسول الله، فديناك بآبائنا وأمهاتنا، قال: فعجبنا له، وقال الناس: انظروا إلى هذا الشيخ، يخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن عبد خيِّره الله بين أن يؤتيه زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عند الله، وهو يقول: فديناك بآبائنا وأمهاتنا. قال: فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو المخَيِّر، وكان أبو بكر أعلمنا به، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم:


مفاتيح خزائن الأرض" فيه إشارة إلى ما فتح لأمته من الملك والخزائن من بعده, "وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا بعدي" أي: لا أخاف على جميعكم الإشراك, بل على مجموعكم؛ لأنه قد وقع من بعضهم بعده, "ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا" بحذف إحدى التاءين, "فيها" أي: الدنيا بدل اشتمال مما قبله، والمنافسة في الشيء الرغبة فيه وحب الانفراد به, "وزاد بعضهم" أي: الرواة "فتقتتلوا على المنافسة, فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم" وقد وقع ما قاله -صلى الله عليه وسلم, ففتحت على أمته بعده الفتوح, وصبّت عليهم الدنيا صبًّا, وتحاسدوا وتقاتلوا, وكان ما كان، ولم يزل الأمر في ازدياد.
"وعن أبي سعيد الخدري أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جلس على المنبر" قبل موته بخمس كما يأتي، وفي رواية: خطب الناس "فقال: "إن عبدًا خيِّره الله" من التخيير "بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا" زينتها "ما شاء" أن يؤتيه منها، وفي نسخة: زهرة بدون من، لكن الذي في البخاري من، وفي مسلم: بدونها, لكن لم يقل ما شاء, "وبين ما عنده" في الآخرة, "فاختار" ذلك العبد "ما عنده"، فبكى أبو بكر -رضي الله عنه- وقال: يا رسول الله, فديناك بآبائنا وأمهاتنا".
قال أبو سعيد: "فعجبنا له", وفي رواية: لبكائه, وقال الناس" متعجبين من تفديته؛ لأنهم لم يفهموا المناسبة بين الكلامين: "انظروا إلى هذا الشيخ, يخبر رسول الله " بالرفع فاعل يخبر "صلى الله عليه وسلم عن عبد خيِّره الله بين أن يؤتيه زهرة".
كذا في نسخ، وفي آخرى: من, وهو في الصحيح من زهرة "الدنيا ما شاء, وبين ما عنده, وهو يقول: فديناك بآبائنا وأمهاتنا", وللبخاري في الصلاة: فبكى أبو بكر، فقلت في نفسي: ما يبكي هذا الشيخ إن يكن الله خُيِّرَ عبدًا بين..... إلخ، وجمع الحافظ، بأنَّ أبا سعيد حدَّث نفسه بذلك، فوافق تحديث غيره به فنقل جميع ذلك.
"قال" أبو سعيد: فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو المخَيَّر" بفتح التحتية المشددة والنصب

<<  <  ج: ص:  >  >>