للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نرضاه لدنيانا.


"ولذا قال الصحابة عند بيعة أبي بكر: رضيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لديننا" أي: الصلاة؛ لأنها عماد الدين, "أفلا نرضاه لدنيانا", وفيه إشارة قوية إلى استحقاقه الخلافة، لا سيما وقد ثبت أن ذلك كان في الوقت الذي أمرهم فيه أن لا يؤمَّهم إلّا أبو بكر، قاله الخطابي وابن بطال وغيرهما, وجاء في سد الأبواب أحاديث يخالف ظاهرها حديث الباب، فلأحمد والنسائي بإسنادٍ قوي عن سعد بن أبي وقاص: أمر -صلى الله عليه وسلم- بسد الأبواب الشارعة في المسجد وترك باب علي.
زاد الطبراني في الأوسط برجال ثقاتٍ فقالوا: يا رسول الله, سددت أبوابنا، فقال: "ما سددتها, ولكن الله سدها"، ولأحمد والنسائي والحاكم برجال ثقاتٍ عن زيد بن أرقم: كان لنفر من الصحابة أبواب شارعة في المسجد، فقال -صلى الله عليه وسلم: "سدوا هذه الأبواب إلّا باب علي"، فتكلم ناس في ذلك، فقال -صلى الله عليه وسلم: "إني والله ما سدت شيئًا ولا فتحته، ولكن أمرت بشيء فاتبعته".
وعند أحمد والنسائي برجالٍ ثقات عن ابن عباس: أمر -صلى الله عليه وسلم- بأبواب المسجد فسدت غير باب عليّ، فكان يدخل المسجد وهو جنب, ليس له طريق غيره، وللطبراني عن جابر بن سمرة: "أمَرَّ -صلى الله عليه وسلم- بسد الأبواب كلها غير باب علي، فربما مَرَّ فيه وهو جنب", ولأحمد بإسناد حسن عن ابن عمر: لقد أعطي علي ثلاث خصال، لأن تكون لي واحدة منهن أحبَّ إلي من حمر النعم، زوَّجه -صلى الله عليه وسلم- ابنته وولدت له، وسد الأبواب إلّا بابه في المسجد، وأعطاه الراية يوم خيبر، وهذه أحاديث يقوي بعضها بعضًا, وكل طريق منها صالح للحجة فضلًا عن جموعها.
وأوردها ابن الجوزي في الموضوعات, وأعلها بما لا يقدح, وبمخالفتها للأحاديث الصحيحة في باب أبي بكر، وزعم أنها من وضع الرافضة, قابلوا بها الحديث الصحيح، فأخطأ في ذلك خطأ شنيعًا فاحشًا، فإنه سلك رد الأحاديث الصحيحة بتوهمه المعارضة, مع أن الجمع بين القضيتين ممكن، كما أشار إليه البزار بما دلَّ عليه حديث أبي سعيد عند الترمذي, أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعلي: "لا يحل لأحد أن يطرق هذا المسجد جنبًا غيري وغيرك" , والمعنى: إن باب علي كان إلى جهة المسجد, ولم يكن لبيته باب غيره، فلذا لم يؤمر بسدِّه، ويؤيده ما أخرجه إسماعيل القاضي عن المطلب بن عبد المطلب بن عبد الله بن حنطب, أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يأذن لأحد أن يمرَّ في المسجد وهو جنب إلّا لعلي بن أبي طالب؛ لأن بيته كان في المسجد، ومحصّل الجمع أنه أمر بسد الأبواب مرتين، ففي الأولى استثنى باب علي لما ذكر، وفي الأخرى باب أبي بكر، لكن إنما يتمّ بحمل باب علي على الباب الحقيقي وباب أبي بكر على المجازي، أي: الخوخة -كما في بعض طرقه, وكأنهم لما أمروا بسدها سدوها وأحدثوا خوخًا يستقربون الدخول إلى المسجد منها، فأمروا بعد ذلك بسدها، فهذا لا بأس به في الجمع، وبه جمع الطحاوي والكلاباذي, وصرَّح بأن بيت أبي بكر كان له باب خارج المسجد, وخوخة إلى داخل المسجد, وبيت علي لم يكن له باب إلّا من

<<  <  ج: ص:  >  >>