للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فما هذه إلا ديار محمد ... وذاك سناها يغتدي ويروح

وإلّا فما للركب هاج اشتياقهم ... فكل من الشوق الشديد يصيح

وأنت مطايا الركب حتى كأنها ... حمام على قضب الأراك تنوح

وقد مدت الأعناق شوقًا وطرفها ... إلى النور من تلك الديار لموح

رأت دار من تهوى فزاد اشتياقها ... ومدمعها في الوجنتين سفوح

إذا العيس باحت بالغرام ولم تطق ... خفاء فما للصب ليس يبوح

ولما قربنا من ديار المدينة وأعلامها، وتدانينا من معاينة رباها الكريمة وآكامها، وانتشقنا عرف لطائف أزهارها، وبت لنواظرنا بوارق أنوارها، وترادفت واردات المنح والعطايا، ونزل القوم عن المطايا، فأنشدت متمثلًا:

أتيتك زائرًا وودت أني ... جعلت سواد عيني أمتطيه

ومالي لا أسير على المآقي ... إلى قبر رسول الله فيه

ولما وقع بصري على القبر الشريف والمسجد المنيف فاضت من الفرح


ويروح فيه إبطاء, "وإلا فما للركب هاج" ثار "اشتياقهم، فكل من الشوق الشديد يصيح" يصون بأقصى طاقته, "وأنَّت" بشد النون- صوَّتت مطايا الركب، حتى كأنها حمام على قضب" بضم القاف وإسكان المعجمة- أغصان الأراك تنوح -بفوقية فنون- تسجع, "وقد مدت الأعناق شوقًا وطرفها" بصرها "إلى النور من تلك الديار لموح" بضم الميم- كثير النظر, "رأت دار من تهوى فزاد اشتياقها ومدمعها" أي: دمعها "في الوجنتين" أي: عليهما, "سفوح" أي: مصبوب, "إذا العيس" بالكسر- الإبل البيض يخالط بياضها شقرة كما في القاموس، والمراد هنا مطلق الإبل, "باحت بالغرام" الولوع بالحب "ولم تطق خفاء" بالمد، أي: إخفاءه وستره, "فما للصب ليس يبوح" بصبابته وهي الشوق، أو رقَّته, أو رقة الهوى, مع أنه عاقل بخلاف العيس "ولما قربنا من ديار المدينة وأعلامها, وتدانينا من معاينة رباها" بضم الراء- جمع ربوة مثلثة- المكان المرتفع, "الكريمة وأكامها" جمع أكم بزنة كتب، ومَرَّ بيانه في الاستسقاء, "وانتشقنا عرف" أي: شممنا ريح "لطائف أزهارها وبدت" ظهرت "لنواظرنا بوارق" لوامع "أنوارها، وترادفت واردات المنح والعطايا" الهبات, "ونزل القوم عن المطايا" جمع مطية, الدابة تمطو، أي: تمد في سيرها, "فأنشدت متمثلًا وهو إنشاد شعر الغير في مقام يناسبه, "أتيتك زائرًا وودت" تمنيت "أني جعلت سواد عيني أمتطيه" أجعله مطية لي "ومالي لا أسير على المآقي" جمع المموق طرف العين مما يلي الأنف إلى قبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيه، "ولما وقع بصري على القبر الشريف والمسجد المنيف فاضت من الفرح سوابق العبرات" الدموع "حتى أصابت بعض

<<  <  ج: ص:  >  >>