للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وينبغي أن يقف عند محاذاة أربعة أذرع, ويلازم الأدب والخشوع والتواضع، غاضّ البصر في مقام الهيبة، كما كان يفعل بين يديه في حياته، ويستحضر علمه بوقوفه بين يديه, وسماعه لسلامه، كما هو الحال في حال حياته؛ إذ لا فرق بين موته وحياته في مشاهدته لأمته, ومعرفته أحوالهم ونياتهم وعزائمهم وخواطرهم، وذلك عنده جليّ لا خفاء به.

فإن قلت: هذه الصفات مختصة بالله تعالى.

فالجواب: إن من انتقل إلى عالم البرزخ من المؤمنين يعلم أحوال الأحياء.


في الشفاء عن ابن وهب عن مالك، قال: إذا سلَّم على النبي -صلى الله عليه وسلم- ودعا, يقف وجهه إلى القبر لا إلى القبلة, ويدنو ويسلِّم, ولا يمسَّ القبر بيده. انتهى.
وإلى هذا ذهب الشافعي والجمهور، ونقل عن أبي حنيفة، قال ابن الهمام، وما نُقِلَ عنه أنه يستقبل القبلة مردود بما روي عن ابن عمر: من السُّنَّة أن يستقبل القبر المكرَّم, ويجعل ظهره للقبلة, وهو الصحيح من مذهب أبي حنيفة. وقول الكرماني: مذهبه خلافه ليس بشيء؛ لأنه حيّ، ومن يأتي لحيٍّ إنما يتوجَّه إليه. انتهى.
ولكن هذا الرجل ابتدع له مذهبًا وهو عدم تعظيم القبور، وإنها إنما تزار للترحّم والاعتبار, بشرط ألَّا يشد إليها رحل، فصار كل ما خالفه عنده كالصائل لا يبالي بما يدفعه، فإذا لم يجد له شبهة واهية يدفعه بها بزعمه, انتقل إلى دعوى أنه كذب على من نُسِبَ إليه مجازفة وعدم نصفة، وقد أنصف من قال فيه: علمه أكبر من عقله، ثم إن نقل كلامه من أوّل، لكن رأيت ساقط في أكثر نسخ المصنف وهو أَوْلَى بالصواب، وسيعيد المصنّف قريبًا نقله, والتبري منه بقوله: كذا.
قال: وينبغي أن يقف عند محاذاة أربع أذرع" وقيل: ثلاثة، وهذا باعتبار ما كان في العصر الأوّل، أمَّا اليوم فعليه مقصورة تمنع من دنو الزائر, فيق عند الشباك، قاله بعض, "ويلازم الأدب والخشوع والتواضع, غاضّ البصر في مقام الهيبة, كما كان يفعل بين يديه في حياته"؛ إذ هو حي, "ويستحضر علمه بوقوفه بين يديه, وسماعه لسلامه, كما هو في حال حياته؛ إذ لا فرق بين موته وحياته في مشاهدته لأمته, ومعرفته بأحوالهم ونياتهم وعزائمهم وخواطرهم، وذلك عنده جليّ" ظاهر "لا خفاء به" باطِّلاع الله تعالى على ذلك.
"فإن قلت: هذه الصفات" المذكورة من معرفته إلى هنا "مختصَّة بالله تعالى، فالجواب: إن من انتقل إلى عالم البرزخ من المؤمنين" الكاملين, "يعلم أحوال الأحياء غالبًا" بإعلام الله تعالى لهم، كما في حديث: "تعرض الأعمال كل يوم الخميس والإثنين على الله

<<  <  ج: ص:  >  >>