للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعند ابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة مرفوعًا: "من صلَّى عليَّ عند قبري سمعته، ومن صلّى عليَّ نائيًا بلغته".

وعن سليمان بن سحيم، مما ذكره القاضي عياض في الشفاء" قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في النوم، فقلت: يا رسول الله، هؤلاء الذين يأتونك فيسلمون عليك, أتفقه سلامهم؟ قال: نعم وأرد عليهم.

ولا شكَّ أن حياة الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- ثابتة معلومة مستمرة، ونبينا -صلى الله عليه وسلم- أفضلهم، وإذا كان كذلك فينبغي أن تكون حياته -صلى الله عليه وسلم- أكمل وأتمّ من


ولا يطرد هذا بدليل رواية: عليّ, هنا في الإكرام, "حتى" غاية لرد في معنى التعليل، أي: لأجل أن "أرد عليه السلام, عند ابن أبي شيبة", وعبد الرزاق "من حديث أبي هريرة مرفوعًا: "من صلَّى عليَّ عند قبري سمعته، ومن صلَّى عليَّ نائيًا" بعيدًا, "بلغته" من الملك الموكَّل بقبره, بإبلاغه صلاة أمته عليه، والظاهر أنَّ المراد بالعندية قرب القبر؛ بحيث يصدق عليه عرفًا أنه عنده، وبالبعد ما عداه, وإن كان بالمسجد، قال السخاوي: إذا كان المصلي عند قبره سمعه بلا واسطة, سواء كان ليلة الجمعة أو غيرها، وما يقوله بعض الخطباء ونحوهم أنه يسمع بأذنيه في هذا اليوم من يصلي عليه, فهو مع حمله على القرب لا مفهوم له. انتهى.
وتقدم لذلك مزيد في مقصد المحبة وقبله في الخصائص، وأورد أن ردَّ السلام على المسلِّم لا يختص به -صلى الله عليه وسلم, ولا بالأنبياء، فقد صحَّ مرفوعًا: "ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن, ومن كان يعرفه في الدنيا فيسلِّم عليه, إلا عرفه وردَّ عليه السلام"، وأجيب بأنَّ الرد من الأنبياء رد حقيقي بالروح والجسد بجملته, ولا كذلك الرد من غير الأنبياء والشهداء فليس بحقيقي، وإنما هو بواسطة اتصال الروح بالجسد، لأنَّ بينه وبينها اتصالًا يحصل بواسطة التمكّن من الرد, كون أرواحهم ليست في أجسادهم, وسواء الجمعة وغيرها على الأصح، لكن لا مانع أنَّ الاتصال في الجمعة واليومين المكتنفين به أقوى من الاتصال في غيرها من الأيام. انتهى.
"وعن سليمان بن سحيم" بمهملتين- مصغَّر, المدني, مولى آل العباس، وقيل: مولى آل الحسين، تابعي، ثقة، روى له مسلم, والسنن إلا الترمذي, "مما ذكره القاضي عياض في الشفاء" وأخرجه البيهقي في حياة الأنبياء, وابن أبي الدنيا عن سليمان "قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في النوم", ورؤياه حق "فقلت: يا رسول الله, هؤلاء الذين يأتونك فيسلِّمون عليك, أتفقه" أتفهم "سلامهم، قال: نعم" أفقهه, "وأرُدّ عليهم" عطف على معنى نعم, لا على قول السائل, وإنه من العطف التقليني كما توهم لوجود نعم؛ إذ معناها: أفقه "ولا شكَّ أن حياة الأنبياء -عليهم السلام- ثابتة معلومة مستمرة ثابتة" في الاستمرار, فلا تكرار, ونبينا -صلى الله عليه وسلم- أفضلهم" بالنصوص

<<  <  ج: ص:  >  >>