للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا ريب أن حاله -صلى الله عليه وسلم- في البرزخ أفضل وأكمل من حال الملائكة، هذا سيدنا عزرائيل -عليه السلام- يقبض مائة ألف روح في وقت واحد, ولا يشغله قبض عن قبض، وهو مع ذلك مشغول بعبادة الله تعالى، مقبل على التسبيح والتقديس، فنبينا -صلى الله عليه وسلم- حي يصلي ويعبد ربه ويشاهده، لا يزال في حضرة اقترابه، متلذذًا بسماع خطابه، وقد تقدَّم الجواب عن قوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} في أواخر الخصائص من المقصد الرابع.

وقد روى الدارمي عن سعيد بن عبد العزيز قال: لما كان أيام الحرة، لم


كالبدر من حيث التفت رأيته ... يهدي إلى عينيك نورًا ثاقبًا
ولا ريب أن حاله -صلى الله عليه وسلم- في البرزخ أفضل وأكمل من حال الملائكة، هذا سيدنا عزرائيل" اسم ملك الموت على ما اشتُهر "عليه السلام, يقبض مائة ألف روح" أو أزيد في وقت واحد, ولا يشغله" بفتح أوله وثالثه على الأفصح "قبض عن قبض, وهو مع ذلك مشغول بعبادة الله تعالى, مقبل على التسبيح والتقديس، فنبينا -صلى الله عليه وسلم- حي" في قبره "يصلي ويعبد ربه ويشاهده، لا يزال في حضرة اقترابه" أي: دنوه "متلذذًا بسماع خطابه".
وكذا كان شأنه وعادته في الدنيا, يفيض على أمته من سبحات الوحي الإلهي مما أفاضه الله عليه، ولا يشغله هذا الشأن وهو شأن إفاضة الأنوار القدسية على أمته عن شغله "بالحضرة الإلهية "وقد تقم الجواب عن قوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: ٣٠] في أواخر الخصائص من المقصد الرابع" عن السبكي, بما حاصله: إن موته لم يستمر, وأنه أحيي بعد الموت حياة حقيقية, ولا يلزم منه أن يكون البدن معها كما في الدنيا من الحاجة إلى طعام وشراب, وغير لك من صفات الأجسام التي نشاهدها، أي: لأنَّ ذلك عادي لا عقلي, والملائكة أحياء ولا يحتاجون إلى ذلك.
"وقد روى الدارمي عن سعيد بن عبد العزيز، قال: لما كان أيام الحرة" بفتح الحاء والراء المهملتين- أرض بظاهر المدينة ذات حجارة سود كأنها أحرقت بالنار, كانت بها الوقعة المشهورة بين عسكر يزيد بن معاوية وبين أهل المدينة بسبب أنهم خلعوا يزيد, وولوا على المهاجرين عبد الله بن مطيع, وعلى الأنصار عبد الله بن حنظلة, وأخرجوا عامل يزيد عثمان بن محمد بن أبي سفيان من بينهم، فبعث لهم يزيد جيشًا عدته سبع وعشرون ألف فارس, وخمسة عشر ألف راجل، فظفروا, فأباحوا المدينة ثلاثة أيام قتلًا ونهبًا وزنًا, وغير ذلك, وقتل فيها خلق كثير من الصحابة وغيرهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>