للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد صحَّ عن جابر: أن أباه وعمرو بن الجموح, وكانا مَمَّن استُشْهِدا بأحد, ودفنا في قبر واحد، حتى حفر السيل قبرهما، فوجدا لم يتغيرا، وكان أحدهما قد جرح، فوضع يده على جرحه، فدفن وهو كذلك، فأميطت يده عن جرحه ثم أرسلت, فرجعت كما كانت. وكان بين ذلك وبين أحد ست وأربعون سنة.

وروي عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال في شهداء أحد: "والذي نفسي


الخصائص عن السبكي: عود الروح إلى الجسد ثابت في الصحيح لسائر الموتى, فضلًا عن الشهداء, فضلًا عن الأنبياء, وإنما النظر في استمرارها في البدن، وفي أنَّ البدن يصير حيًّا كحالته في الدنيا أو حيَّا بدونها, وهي حيث شاء الله تعالى، فإنَّ ملازمة الروح للحياة أمر عادي لا عقلي، فهذا مما يجوّزه العقل، فإن صحَّ به سمع أتبع، وقد ذكره جماعة من العلماء, ويشهد له صلاة موسى في قبره، فإن الصلاة تستدعي جسدًا حيًّا.
"وقد صحَّ" عند ابن سعد "عن جابر" وهو في الموطأ من وجه آخر "أنَّ أباه" عبد الله بن عمرو -بفتح العين- ابن حرام بن ثعلبة الخزرجي، العقبي، البدري, "وعمرو" بفتح العين "ابن الجموح" بفتح الجيم وخفة الميم وإسكان الواو ومهملة- ابن زيد بن حرام بن كعب الخزرجي, من سادات الأنصار وأشرافهم وأجوادهم, "وكانا ممن استشهدا بأحدٍ ودفنا في قبر واحد" بأمره -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "اجمعوا بينهما, فإنهما كانا متصادقين في الدنيا" كما عند ابن إسحاق "حتى حفر السيل قبرهما، فوجدا لم يتغيرا" زاد في الموطأ: كأنهما ماتا بالأمس, "وكان أحدهما قد جرح، فوضع يده على جرحه، فدفن وهو كذلك، فأميطت" نحيت "يده عن جرحه" ثم أرسلت, فرجعت كما كانت, دليل على الحياة, وكان بين ذلك, أي: حفر السيل قبرهما "وبين أحد, ولفظ الموطأ: وكان بين أحد وبين يوم حفر عنهما ست وأربعون سنة".
وفي الصحيح عن جابر: كان أبي أول قتيل, ودفن معه آخر في قبر، ثم لم تطب نفسي أن أتركه مع الآخر، فاستخرجته بعد ستة أشهر، فإذا هو كيوم وضعته, فجعلته في قبر على حدة، وظاهره يخالف حديث الموطأ هذا.
وجمع ابن عبد البر بتعدد القصة, ونظر فيه الحافظ بأن الذي في حديث جابر أنه دفن أباه وحده في قبر بعد ستة أشهر، وحديث الموطأ أنهما وجدا في قبر واحد بعد ستة وأربعين سنة، فإمَّا أنَّ المراد بكونهما في قبر واحد قرب المجاورة، أو أنَّ السيل جرف أحد القبرين حتى صارًا واحدًا.
"وروي عنه -عليه السلام- أنه قال في شهداء أحد: "والذي نفسي بيده" إن شاء نزعها،

<<  <  ج: ص:  >  >>