للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال: يا أبا عبد الله، أأستقبل القبلة وأدعو، أم أستقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم؟ فقال مالك: ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك, ووسيلة أبيك آدم -عليه السلام- إلى الله يوم القيامة. وقال مالك في "المبسوط": لا أرى أن يقف عند القبر يدعو، ولكن يسلم ويمضي. قال ابن فرحون: ولعلَّ ذلك ليس اختلاف قول، وإنما أمر المنصور بذلك؛ لأنه يعلم ما يدعو به، ويعلم آداب الدعاء بين يديه -صلى الله عليه وسلم، فأمِنَ عليه من سوء الأدب, فأفتاه بذلك، وأفتى العامَّة أن يسلموا وينصرفوا لئلَّا يدعوا تلقاء وجهه الكريم ويتوسَّلوا به


أراد أبسبع, وهو من خصائص الهمزة, "وأدعو أم أستقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم" أي: أجعل وجهي مقابلًا لجهته, وحينئذ أستدبر القبلة، فلذا أشكل عليه؛ لأن استقبالها في الدعاء مشروع، فإذا عارضه هذا فأيهما يقدَّم, "فقال مالك: ولم تصرف وجهك عنه" أي: عن مقابلته ومواجهته حال الدعاء, وهو وسيلتك ووسيلة أبيك أدم -عليه السلام" الوسيلة: السبب المتوصّل به إلى إجابة الدعاء، وكنَّى بآدم عن جميع الناس، أي: هو الشفيع المشفّع المتوسّل به, "إلى الله يوم القيامة" إشارة إلى حديث الشفاعة العظمى, وإلى ما ورد أن الداعي إذا قال: اللهم إني أستشفع إليك بنبيك, يا نبي الرحمة اشفع لي عند ربك, استجيب له, وبقيته كما في الشفاء: بل استقبله واستشفع به فيشفّعه الله، قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ} [النساء: ٦٤] وإنما أعاد هذا المصنف وإن قدَّمه آنفًا لوقوعه في كلام ابن فرحون نقلًا عن الشفاء، لكن سؤال المنصور أورده في الشفاء بإسناده في الباب الثالث، ثم بعده يطول في حكم زيارة قبره.
أورد رواية ابن وهب والمبسوط دون الحكاية، فجمع بينهما ابن فرحون, ونسبة للشفاء وهو صادق؛ لأنه كله فيه في موضعين، وإنما نبعت على هذا لئلّا يقف ناقص العلم على أحد الموضعين فينكر الآخر.
وقال مالك في المبسوط" اسم كتاب لإسماعيل القاضي: "لا أرى" لا أستحب، وأعده رأيًا "أن يقف عند القبر يدعو" أي: حال كونه داعيًا؛ "لكن يسلِّم" عليه "ويمضي" ينصرف من غير وقوف.
"قال ابن فرحون: ولعلَّ ذلك ليس اختلاف قول" هكذا في النسخ الصحيحة, ليس, وهو الذي يتأتَّى ترجيه؛ إذ كونه اختلافًا صريحًا ظاهرًا لا يترجى, ولهذا ولما بعده أشكل سقوط ليس في بعض النسخ, وتعسّف توجيهها لمنابذتها لقوله: "وإنما أمر المنصور بذلك؛ لأنه يعلم ما يدعو به, ويعلم آداب الدعاء بين يديه -صلى الله عليه وسلم, فأمن عليه من سوء الأدب، فأفتاه بذلك"؛ لأنه كان عالمًا" وأفتى العامة أن يسلِّموا وينصرفوا" بدون دعاء "لئلَّا يدعو تلقاء" بكسر فسكون،

<<  <  ج: ص:  >  >>