للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وها هنا بحث: لم جعلت هذه البقعة من بين سائر البقع روضة من رياض الجنة؟ فإن قلنا: تعبد, فلا بحث، وإن قلنا: لحكمة, فحينئذ يحتاج إلى البحث.

والأظهر أنه لحكمة, وهي أنه قد سبق في العلم الرباني بما ظهر أن الله -عز وجل- فضله على جميع خلقه، وأنَّ كل ما كان منه بنسبة ما من جميع المخلقوات, يكون له تفضيل على جنسه, كما استقرئ في كل أموره، من بدء ظهوره -صلى الله عليه وسلم- إلى حين وفاته، في الجاهلية والإسلام, فمنها ما كان في شأن أمه، وما نالها من بركته مع الجاهلية الجهلاء، حسب ما هو مذكور معلوم, ومثل ذلك حليمة السعدية، وحتى الأتان, وحتى البقعة التي تجعل أتانه يدها عليها تخضر من حينها، وما هو من ذلك كله معلوم.

كان مشيه -صلى الله عليه وسلم- حيث ما مشى ظهرت البركات مع ذلك كله، وحيث وضع -صلى الله عليه وسلم- يده المباركة ظهر في ذلك كله من الخيرات والبركات حسًّا ومعنًى، كما هو منقول معروف.

ولما شاءت القدرة أنه -صلى الله عليه وسلم- لا بُدَّ له من بيت، ولا بُدَّ له من منبر، وأنه


"وهنا بحث: لم جعلت هذه البقعة من بين سائر البقع روضة من رياض الجنة؟ فإن قلنا: تعبُّد, فلا بحث" لأنه لا يعلم معناه, وإن قلنا: لحكمة, فحينئذ يحتاج" الكلام "إلى البحث" أي: التكلم في الحكمة والأظهر أنها لحكمة، وهي أنه قد سبق في العلم الرباني" أي: علم الله تعالى, "بما" أي: بسبب ما "ظهر" على لسانه ولسان الأنبياء, "أنَّ الله -عز وجل- فضَّله على جميع خلقه, وأنَّ كل ما" عبَّر بما تغليبًا للأكثر, نحو {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} .
وفي نسخة: من تغليبًا للعقلاء, "كان منه بنسبة ما" بشد الميم "من جميع المخلوقات يكون له تفضيل على جنسه, كما استقرئ في جميع أموره من بدء ظهوره -علي السلام- إلى حين وفاته في الجاهلية" توكيد للأوّل، اشتق له من اسمه ما يؤكّد به، كما يقال: وتد واتد, وهمج هامج, وليلة ليلاء, ويوم يوم، قاله الجوهري "حسبما هو مذكور معلوم, ومثل ذلك حليمة السعدية" مرضعته, "وحتى الأتان" الحمارة "وحتى البقعة التي تجعل أتانه يدها عليها تخضر من حينها" فأشبه ما حصل له مما يدل على شرفه على جنسه ما حصل لأمه وظئره, "وما هو من ذلك كله معلوم، وكان مشيه -عليه السلام- حيثما مشى ظهرت البركات مع ذلك كله، وحيث وضع يده المباركة ظهر في ذلك كله من الخيرات والبركات حسًّا ومعنًى, كما هو منقول معروف, ولما شاءت القدرة" أي: صاحب القدرة, ففيه مسامحة "أنه عليه السلام لا بُدَّ له من بيت

<<  <  ج: ص:  >  >>