للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لشفاعته وشهادته, وبلوغ قصده في المحيا والممات، وكم عسى تكون شدة المدينة ولأوائها، وإلى متى تستمر مشقتها وبلواها، لو تأمَّلت يا هذا لوجدت في البلاد ما هو في الشدة وشظف العيش مثلها أو أشق منها، وأهلها مقيمون فيها، وربما يوجد فيهم من هو قادر على الانتقال فلا ينتقل، وقوي على الرحلة فلا يرتحل، ويؤثر وطنه مع إمكان الارتحال والقدرة على الانتقال.

على أنَّ المدينة مع شظف العيش بها في غالب الأحيان، قد وسَّع الله فيها على بعض السكان، حتى من أصحابنا من غير أهلها, مِمَّن استوطنها وحسن فيها حاله، وتنعَّم بها باله, دون سائر البلدان، فإن مَنَّ الله على المرء بمثل ذلك هنالك، وإلّا فالصبر للمؤمن أَوْلَى، فمن وفَّقه الله تعالى صبره في إقامته بها ولو على أحر من الجمر، فيتجرَّع مرارة غصتها؛ ليجتلي عروس منصتها، ويلقي نزرًا من لأوائها؛ ليوقي بذلك من مصائب الدنيا وبلائها.

وقد روى البخاري من حديث أبي هريرة, أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الإيمان


"إنجاز" أي: تعجيل "وعده الصادق بشفاعته وشهادته و" ينال "بلوغ قصده في المحيا والممات, وكم عسى تكون شدة المدينة ولأوائها" بالقصر لتوافق السجعة بعده وإن كان ممدودًا, وإلى متى تستمر مشقتها وبلواها، لو تأمَّلت يا هذا لوجدت في البلاد ما هو في الشدة, وشظف" بفتح الشين والظاء المعجمتين وفاء- شدة "العيش" وضيقه "مثلها، أو أشق منها, وأهلها مقيمون فيها" جملة حالية, "وربما يوجد فيهم من هو قادر على الانتقال فلا ينتقل" يتحوَّل عنها, "وقوي على الرحلة فلا يرتحل, ويؤثر وطنه مع إمكان الارتحال والقدرة على الانتقال"؛ لأن حب الوطن من الإيمان, "على أن المدينة مع شظف العيش بها في غالب الأحيان, قد وسَّع الله فيها على بعض السكان, حتى من أصحابنا من غير أهلها, ممن استوطنها وحسن فيها حاله, وتنعَّم بها باله" أي: قلبه, "دون سائر البلدان، فإن مَنَّ الله على المرء بمثل ذلك هنالك" أي: سعة العيش بالمدينة فظاهر؛ لأنها منة عظيمة يجب عليه شكرها, وإلا فالصبر للمؤمن أَوْلَى" {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} , "فمن وفقه الله تعالى" صيره, "رزقه الصبر "في إقامته بها ولو على أمرِّ من الجمر، فيتجرَّع مرارة غصتها؛ ليجتلي عروس منصتها" بكسر الميم- كرسي تقف عليه العروس في جلائها, "ويلقي" يصيب "نزرًا" شيئًا "قليلًا من لأوائها" شدتها؛ "ليوقى" يصان من مصائب الدنيا وبلائها".
"وقد روى البخاري" وابن ماجه في الحج, ومسلم في الإيمان, من حديث أبي هريرة, أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الإيمان ليأرز" بلام التأكيد وهمزة ساكنة وراء مكسورة، وحكى القابسي

<<  <  ج: ص:  >  >>