للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى حجرها" , أي: تنقبض وتنضم وتلتجئ، مع أنها أصل في انتشاره، فكل مؤمن له من نفسه سائق إليها في جميع الأزمان، لحبه في ساكنها -صلى الله عليه وسلم، فأكرم بسكانها, ولو قيل في بعضهم ما قيل، فقد حظوا بشرف المجاورة لهذا الحبيب الجليل, فقد ثبت لهم حق الجوار وإن عظمت إساءتهم، فلا يسلب عليهم اسم الجار، وقد عمم -صلى الله عليه وسلم- في قوله: "ما زال جبريل يوصيني بالجار" ولم يخص جارًا دون جار، وكل ما احتجَّ به محتج مِن رَمْي بعض عوامّهم السنية بالابتداع وترك الاتباع، فإنه إذا ثبت ذلك في شخص منهم فلا يترك


فتحها، وحكى غيره ضمها، وصوَّب ابن التين الكسر فزاي معجمة، أي: إنَّ أهل الإيمان لتنضمّ وتجتمع "إلى المدينة ,كما تأرز الحية إلى حجرها" بضم الجيم، أي: كما تنضمّ وتلتجئ إليه إذا خرجت في طلب المعاش ثم رجعت, "أي: تنقبض وتنضم وتلتجئ" تفسير للمشبّه والمشبه به, "مع أنها" أي: المدينة "أصل في انتشاره" أي: الإيمان, "فكل مؤمن له من نفسه سائق إليها في جميع الأزمان؛ لحبه في ساكنها -صلى الله عليه وسلم, قال الحافظ: لأنه في زمنه للتعلم منه، وفي زمن الصحابة والتابعين وتابعيهم للاقتداء بهديهم, ومن بعد ذلك لزيارة قبره -صلى الله عليه وسلم, والصلاة في مسجده, والتبرك بمشاهدة آثاره وآثار أصحابه.
وقال الداودي: كان هذا في حياته -صلى الله عليه وسلم, والقرن الذي كان منهم, والذين يلونهم, والذين يلونهم خاصّة، وقال القرطبي: فيه تنبيه على صحة مذهب أهل المدينة وسلامتهم من البدع, وأن عملهم حجة.
"فأكرم بسكانها، ولو قيل في بعضهم ما قيل, فقد حظوا -بفتح الحاء المهملة وضم الظاء المعجمة بزنة رضوا لأنَّ فعله لازم، فلا يصح ضم الحاء على البناء للمفعول؛ لأنه لا يبني من لازم إلّا إذا وجد ما يصلح للنيابة عن الفاعل بعد حذفه نحو مَرَّ بزيد؛ ولأنَّ شرط البناء للمفعول أن يحذف الفاعل ويقام المفعول, أو نحوه مقامه, وما هنا ليس كذلك, "بشرف المجاورة لهذا الحبيب الجليل، فقد ثبت لهم حق الجوار وإن عظمت إساءتهم, فلا يسلب عليهم اسم الجار، وقد عمَّم -صلى الله عليه وسلم- في قوله: "ما زال جبريل يوصيني بالجار" ولم يخص جارًا من جار" فشمل الطائع والعاصي, "وكل ما احتج به محتج من رمي بعض عوامهم السنية" بضم السين- أي عوامهم أهل السنة، لكن رمي بعضهم "بالابتداع وترك الاتباع، فإنه إذا ثبت

<<  <  ج: ص:  >  >>