للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مرة بعد مرة، والحمَّى تتكرر في كل حين, فيتعادلان في الأجر، ويتمّ المراد من عدم دخول الطاعون المدينة.

قال الحافظ ابن حجر: ويظهر لي جواب آخر، بعد استحضار الذي أخرجه أحمد من رواية أبي عسيب -بمهملتين آخره موحدة، بوزن عظيم- رفعه: "أتاني جبريل بالحمَّى والطاعون, فأمسكت الحمَّى بالمدينة, وأرسلت الطاعون إلى الشام"، وهو أن الحكمة في ذلك أنه -صلى الله عليه وسلم- لما دخل المدينة كان في قلة من أصحابه عددًا ومددًا، وكانت المدينة وبئة، كما في حديث عائشة، ثم خُيِّر -صلى الله عليه وسلم- في أمرين


"الطاعون بالحمى" وهي شهادة؛ "لأن الطاعون يأتي مرة بعد مرة" ويتخلّل بينهما زمن طويل عادة "والحمَّى تتكرر في كل حين, فيتعادلان في الأجر"؛ لأن كلًّا شهادة.
وقد روى الديلمي عن أنس مرفوعا: "الحمى شهادة" وسنده ضعيف، لكن له شاهد يقويه "ويتم المراد من عدم دخول الطاعون المدينة" لفظاعته, وإن كان شهادة.
"قال الحافظ ابن حجر: ويظهر لي جواب آخر بعد استحضار" الحديث "الذي خرَّجه أحمد" والحارث بن أبي أسامة, والطبراني والحاكم أبو أحمد, وابن سعد "من رواية أبي عسيب -بمهملتين آخره موحدة بوزن عظيم- مولى النبي -صلى الله عليه وسلم, مشهور بكنيته، قيل: اسمه أحمر، وقيل: سفينة مولى أم سلمة، والمرجَّح أنه غيره -كما في الإصابة "رفعه: "أتاني جبريل بالحمَّى والطاعون" بأن صورهما له بهيئة الأجسام المشخَّصة, وأراه إياهما كما جزم به بعضهم, ولا مانع من ذلك؛ لأن الأعراض والمعاني قد يجسَّمان، ويحتمل أن يريد أخبرني بهما, "فأمسكت" أي: حبست "الحمى بالمدينة"؛ لأنها لا تقتل غالبًا, بل قد تنفع كما بينه ابن القيم, وأرسلت الطاعون إلى الشام"؛ لأنها أخصب الأرض، والخصب مظنة الأشر والبطر، وبقية هذا الحديث: "فالطاعون شهادة لأمتي ورحمة لهم ورجز على الكافرين" وهو" أي: الجواب "إن الحكمة في ذلك أنه -صلى الله عليه وسلم- لما دخل المدينة كان في قلة من أصحابه عددًا" أي: بالنسبة للعدد, "ومددًا" لقلة المناصرين لهم, "وكانت المدينة وبئة كما في حديث عائشة، في الصحيح: قدمن المدينة وهي أوبأ أرض الله تعالى، أي: أكثر وباءً وأشدّ من غيرها، والمراد: الحمَّى, بدليل قوله -صلى الله عليه وسلم: "وانقل حماها إلى الجحفة" وليس المراد الطاعون.
قال المصنف في مقصد الطب الدليل على أنَّ الطاعون يغاير الوباء, أنَّ الطاعون لم يدخل المدينة النبوية قط، وقد قالت عائشة: دخلنا المدينة وهي أوبأ أرض الله، وقال بلال: أخرجونا إلى أرض الوباء, "ثم خُيِّر -صلى الله عليه وسلم- في أمرين يحصل بكلٍّ منهما الأجر الجزيل، فاختار الحمَّى حينئذ"

<<  <  ج: ص:  >  >>