للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحصل بكلٍّ منهما الأجر الجزيل, فاختار الحمى حينئذ لقلة الموت بها غالبًا بخلاف الطاعون، ثم لما احتاج إلى جهاد الكفَّار، وأذن له في القتال كانت قضية استمرار الحمَّى بالمدينة تضعف أجساد الذين يحتاجون إلى التقوية لأجل الجهاد، فدعا بنقل الحمَّى من المدينة إلى الجحفة، فعادت المدينة أصحّ بلاد الله بعد أن كانت بخلاف ذلك، ثم كانوا حينئذ من فاتته الشهادة بالطاعون، ربما حصلت له بالقتل في سبيل الله، ومن فاته ذلك حصلت له الحمَّى التي هي حظّ المؤمن من النار، ثم استمرَّ ذلك بالمدينة تمييزًا لها عن غيرها؛ لتحقق إجابة دعوته, وظهور هذه المعجزة العظيمة بتصديق خبره في هذه المدَّة المتطاولة، فكان منع دخول الطاعون من خصائصها, ولوازم دعائه -صلى الله عليه وسلم- لها بالصحة، وقال بعضهم: هذا من المعجزات المحمدية؛ لأن الأطباء من أولهم إلى آخرهم عجزوا أن يدفعوا الطاعون


أي: حين خُيِّر "لقلة الموت بها غالبًا بخلاف الطاعون" لكثرة الموت غالبًا به, "ثم لما احتاج إلى جهاد الكفار, وأذن له في القتال" بآية: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ} [الحج: ٣٩] "كانت قضية استمرار" إضافة بيانية، أي: هي استمرار "الحمَّى بالمدينة, تضعيف أجساد الذين يحتاجون إلى التقوية لأجل الجهاد، فدعا بنقل الحمَّى من المدينة إلى الجحفة" بضم الجيم وسكون المهملة؛ لأنها كانت حينئذ دار شرك؛ ليشتغوا بها من إعانة الكفار، فلم تزل من يومئذ أكثر البلاد حمَّى, لا يشرب أحد من مائها إلا حُمَّ, "فعادت المدينة أصحَّ بلاد الله بعد أن كانت بخلاف ذلك" أوبأ أرض الله, "ثم كانوا من حينئذ من فاتته الشهادة بالطاعون" وهذا قد يوهم أنه كان بها الطاعون, وليس بمراد كما علم, "ربما حصلت له بالقتل في سبيل الله، ومن فاته ذلك حصلت له الحمَّى التي هي حظّ" أي: نصيب "المؤمن من النار" كما في الحديث، تقدَّم شرحه في الطب, "ثم استمرَّ ذلك بالمدينة تمييزًا لها عن غيرها؛ لتحقق إجابة دعوته" قال الشريف السمهودي: والموجودة الآن من الحمَّى بالمدينة ليس حمَّى الوباء، بل رحمة ربنا ودعوة نبينا للتكفير.
وفي الحديث: "أصح المدينة ما بين حرة بني قريظة والعريض" وهو يؤذن ببقاء شيء منها بها, وأن الذي نقل عنها أصلًا ورأسًا, وشدتها وباؤها وكثرتها، بحيث لا يعد الباقي بالنسبة إليه شيئًا، قال: ويحتمل أنها رفعت بالكلية، ثم أعيدت خفيفة لئلَّا يفوت ثوابها، كما أشار إليه الحافظ ابن حجر: "وظهور هذه المعجزة العظيمة بتصديق خبره في هذه المدة المتطاولة, وكان منع دخول الطاعون من خصائصها" أي: المدينة, "ولوزام دعائه -صلى الله عليه وسلم- لها

<<  <  ج: ص:  >  >>