للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنما هي أعمالكم أحصيها لكم, ثم أوفيكم إياها".

وهؤلاء الطائفتان متقابلتان أشد التقابل، وبينهما أعظم التباين، فالجبرية لم تجعل الأعمال ارتباطًا بالجزاء البتة، والقدرية جعلت ذلك بمحض الأعمال وثمنًا لها, والطائفتان جائرتان منحرفتان عن الصراط المستقيم الذي فطر الله عليه عباده، وجاءت به رسله، ونزلت به كتبه، وهو: أنَّ الأعمال أسباب موصلة إلى الثواب والعقاب، مقتضيات لهما كاقتضاء سائر الأسباب لمسبباتها، وأنَّ الأعمال الصالحة من توفيق الله تعالى ومنته, وصدقته على عبده أن أعانه عليها ووفقه لها، وخلق فيه إرادتها والقدرة عليها، وحببها إليه وزينها في قلبه، وكرّه إليه أضدادها، ومع هذا فليست ثمنًا لجزائه وثوابه، بل غايتها أن تكون شكرًا له تعالى إن قبلها سبحانه، ولهذا نفى -صلى الله عليه وسلم- دخول الجنة بالعمل ردًّا على القدرية القائلين بأن الجزاء بمحض الأعمال وثمنًا لها، وأثبت -سبحانه وتعالى- دخول الجنة بالعمل ردًّا على الجبرية


عبادي, إنما هي أعمالكم أحصيها" أضبطها لكم بعلمي وملائكتي؛ ليكونوا شهداء بين الخالق وخلقه، وقد يضم لذلك شهادة الأعضاء زيادة في العدل, {كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} "ثم أوفيكم إياها" وهذا قطعة من آخر حديث طويل في مسلم وغيره, "وهؤلاء الطائفتان متقابلتان أشدَّ التقابل, وبينهما أعظم التباين، فالجبرية لم تجعل للأعمال ارتباطًا" تعلقًا "بالجزاء البتة، والقدرية جعلت ذلك كله بمحض الأعمال وثمنًا لها, والطائفتان جائرتان منحرفتان عن الصراط المستقيم الذي فطر" خلق "الله عليه عباده" وطبعهم عليه, "وجاءت به رسله, ونزلت به كتبه، وهو أنَّ الأعمال أسباب موصَّلة إلى الثواب والعقاب، مقتضيات لهما كاقتضاء سائر الأسباب لمسبباتها, وأن الأعمال الصالحة من توفيق الله تعالى ومنته, وصدقته علي عبده أن أعانه عليها ووفقه لها, وخلق فيه إرادتها والقدرة عليها, وحببها إليه وزيِّنَها" حسَّنها "في قلبه" كما قال تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: ٧] وكرَّه إليه أضدادها {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ، فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً} [الحجرات: ٧] ومع هذا, فليست ثمنًا لجزائه وثوابه، بل غايتها أن تكون شكرًا له تعالى" لأجل "إنْ قَبِلَها سبحانه"؛ إذ لو شاء لم يقبلها, "ولهذا نفى -عليه السلام- دخول الجنة بالعمل ردًّا على القدرية القائلين بأنَّ الجزء بمحض الأعمال وثمنًا لها" بناء على أصلهم الفاسد أنَّ العبد يخلق أفعال نفسه.
قال زيد بن أسلم: والله ما قالت القدرية كما قال الله, ولا كما قال النبيون, ولا كما قال أصحاب الجنة, ولا كما قال أصحاب النار, ولا كما قال أخوهم إبليس.

<<  <  ج: ص:  >  >>