للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من أوليائي وأصفيائي، ويكون جاري مع النبيين والصديقين والشهداء في الجنة".

فلله درها من كرامة بالغة، ونعمة على المحبين سابغة، فالمحب يرقى في درجات الجنات على أهل المقامات؛ بحيث ينظر إليه كما ينظر إلى الكوكب الغابر في أفق السماوات؛ لعلو درجته وقرب منزلته من حبيبه، ومعيته معه، وإن المرء


من العقاب عليها، فهي في مقابلة عوض وإن كانت أفضل.... "الحديث وفيه" أي: حديث حذيفة "من الزيادة على حديث البخاري" عن أبي هريرة الذي قدَّمه المصنف في مقصد المحبَّة مع الكلام عليه بنحو ورقتين، يعني: "فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به, وبصره الذي يبصر به, ويده التي يبطش بها, ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطيته, ولئن استعاذ بي لأعذته" , "ويكون من أوليائي وأصفيائي" في الدنيا والآخرة، والمراد بولي الله: العالم بالله المواظب على طاعته, المخلص في عبادته، ولذا أشكل قوله: صدر حديث أبي هريرة: "من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب" بأنه لا يوجد معادٍِ للولي؛ لأن المعاداة إنما تقع من الجانبين, ومن شأن الولي الحلم والصفح عن كل مَنْ يجهل عليه, وأجيب كما في الفتح عن التعصب: كرافضي في بغضه لأبي بكر, ومبتدع في بغضه للسني، فتقع المعاداة من الجانبين، أما من جانب الولي فلله وفي الله تعالى، وأما من جانب الآخر فلما تقدَّم، وقد تطلق المعاداة ويراد بها الوقوع من أحد الجانبين بالفعل، ومن الآخر بالقوة, "ويكون جاري" بإسكان الياء، ويجوز فتحها "مع النبيين والصديقين والشهداء في الجنة" ولم يقل: والصالحين, إمَّا اكتفاءً أو تقصيرًا من الراوي.
وفي بعض النسخ: والصالحين, "فلله درها" بدال مهملة "من كرامة بالغة" إلى الغاية, "ونعمة على المحبين سابغة" بغين معجمة- عامَّة, "فالمحب يرقى في درجات الجنات على أهل المقامات" المراتب التي نالوها بمعرفتهم لله, وإن اختلفت باختلاف مراتبهم وعرفانهم وأعمالهم، فانتقلوا من معرفة إلى كشف، ومنه إلى مشاهدة، ومنها إلى معاينة، ومنها إلى اتصال، ومنه إلى فناء، ومنه إلى بقاء، إلى غير ذلك من المقامات المعلومة لأهلها؛ "بحيث ينظر إليه كما ينظر إلى الكوكب الغابر" بمعجمة وموحدة- أي: الباقي.
قال الأزهري: الغابر من الأضداد, يطلق على الماضي والباقي، والمعروف الكثير أنَّه بمعنى الباقي، وفي المطالع: الغابر البعيد أو الذاهب الماضي -كما في الرواية الأخرى: الغارب، يعني: بتقديم الراء على الموحدة, "في أفق السماوات؛ لعلوِّ درجته وقرب منزلته من حبيبه" كما قال -صلى الله عليه وسلم: "إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف فوقهم كما تراءون الكوكب الغابر من الأفق من المشرق والمغرب لتفاضل ما بينهم"، قالوا: يا رسول الله, تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم,

<<  <  ج: ص:  >  >>