"ثم خرج عثمان بن عفان" ذو النورين أمير المؤمنين وتتابع الناس بعده، "حتى لم يبق معه -صلى الله عليه وسلم- إلا علي بن أبي طالب وأبو بكر" الصديق؛ "كذا قال ابن إسحاق" وغيره "قال مغلطاي: وفيه نظر، لما يأتي بعده" في كلام ملغطاي من أنه لما رأى ذلك، أي: هجرة الجماعة من كان بمكة يطيق الخروج خرجوا، فطلبهم أبو سفيان وغيره فردوهم وسجنوهم، فافتتن منهم ناس، ولما ذكر ابن هشام وغيره أن صهيبا لما أراد الهجرة، قال له الكفار: أتينا صعلوكا حقيرا فكثر مالك عندنا وبلغت الذي بلغت، ثم تريد أن تخرج بمالك ونفسك!! والله لا يكون ذلك، فقال صهيب: أرأيتم إن جعلت لكم مالي أتخلون سبيلي؟ قالوا: نعم، قال: فإني جعلت لكم مالي، فتركوه فسار حتى قدم المدينة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فقال له: "ربح بيعك ثلاثا"، والجواب: أن المعنى لم يبق ممن قدر على الخروج، وقد عبر اليعمري وغيره بلفظ: لم يتخلف معه أحد من المهاجرين إلا من حبس بمكة أو افتتن إلا علي وأبو بكر، قال البرهان الحلبي: هذا صحيح لا اعتراض عليه. "وكان الصديق كثيرا ما يستأذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الهجرة" إلى المدينة بعد أن رد على ابن الدغنة جواره؛ كما في حديث عائشة في البخاري، قالت: وتجهز أبو بكر قبل المدينة، ولابن حبان عنها: استأذن أبو بكر النبي -صلى الله عليه وسلم- في الخروج من مكة، "فيقول: "لا تعجل، لعل الله أن يجعل لك صاحبا"، فيطمع أبو بكر أن يكون هو" وعند البخاري: فقال: له -صلى الله عليه وسلم: "على رسلك، فإني أرجو أن يؤذن لي" فقال أبو بكر: وهل ترجو ذلك؟ بأبي أنت وأمي، قال: "نعم"، فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليصحبه وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر وهو الخبط أربعة أشهر، ورسلك بكسر الراء والرسل السير الرفيق. وفي رواية ابن حبان: فقال: "اصبر"، ولفظ أنت مبتدأ خبره بأبي، ويحتمل أنه تأكيد لفاعل ترجو، وبأبي قسم، وحبس نفسه منعها. وفي رواية ابن حبان: فانتظره أبو بكر؛ والسمر بفتح المهملة وضم الميم، وقوله: وهو الخبط مدرج من تفسير الزهري، وفي قوله: أربعة أشهر بيان المدة التي كانت بين ابتداء هجرة الصحابة بين العقبة الأولى والثانية، وبين هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم.