للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حيث قال:

ويح قوم جفوا نبيا بأرض ... ألفته ضبابها والظباء

وسلوه وحن جذع إليه ... وقلوه ووده الغرباء

أخرجوه منها وآواه غار ... وحمته حمامة ورقاء

وكفته بنسجها عنكبوت ... ما كفته الحمامة الحصداء

يقال شجرة حصداء: أي كثيرة الورق، فكأنه استعاره للحمامة لكثرة ريشها.


"حيث قال: ويح" نصب بفعل محذوف لا بالنداء كلمة ترحم لمن وقع في مهلكة لا يستحقها، فالترحم من حيث قرابتهم له عليه السلام وإنهم من عمود نسبه وجلدته ولا محظور فيه؛ لا لأن كثيرا منهم أسلم بعد، فالترحم باعتبار المآل إذ لم يقعوا في هلكة أصلا، فلا يقال فيهم ويح، "قوم جفوا نبيا" أبغضوه وآذوه أشد الأذى بل قصدوا قتله، "بأرض ألفته ضبابها" جمع ضب "والظباء" جمع ظبي ويأتي حديثهما في المعجزات، "وسلوه" أي: نفرت قلوبهم عنه حتى هجروه مع نشأته فيهم وعلمهم بغاية نزاهته وكماله، "و" الحال أنه قد "حن جذع إليه" كان يخطب عليه بالمدينة قبل أن يصنع له المنبر فصار يخور كما يخور الثور حتى نزل وضمه، كما يأتي إن شاء الله تعالى في المعجزات.
"وقلوه" أبغضوه "و" الحال أنه قد "وده الغرباء" كالأنصار الذين ليسوا من عشيرته ولا عرفوا في ابتداء ودادهم له ما عرفه قومه من كماله الظاهر، وفضله الباهر "أخرجوه" بدل من جفوه، أي: كانوا السبب في خروجه "منها"، من تلك الأرض التي هي وطنه ووطن آبائه "وآواه غار" بجبل ثور "وحمته" منهم "حمامة ورقاء" لونها أبيض يخالطه سواد فباضت عليه، "وكفته بنسجها عنكبوت" دويبة تنسج في الهواء يقع على الواحد والجمع والذكر والأنثى، والجمع العناكب "ما" أي: الأعداء الذين "كفته" إياهم "الحمامة الحصداء، يقال" لغة "شجرة حصداء أي: كثيرة الورق فكأنه استعارة للحمامة لكثرة ريشها"، أي: استعارة مصرحة حيث شبه كثيرة الريش بكثرة الورق، واستعار له اسمها ووصفها بورقاء وحصداء لاجتماعهما فيها، ومنع تعدد الوصف إنما هو إذا كان بمتضادين أو متماثلين، وزعم أن البيت حرفه شراحه والمصنف وإنما هو ما كفته الجنانة بجيم ونونين؛ لأنها تجن البدن، أي: تستره والحصداء المحكمة النسج كما في اللغة. رده شيخنا بأن المناسب للسياق والقصة ما ذكروه وهم ثقات وتلقوه بسندهم إلى الناظم، وأدري بكلامه، فلا وجه للعدول عنه إلى غيره وإن صح في نفسه لغة.

<<  <  ج: ص:  >  >>