للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتفسخ العنكبوت. وهذا أبلغ في الإعجاز من مقاومة القوم بالجنود.

فتأمل كيف أظلت الشجرة المطلوب وأضلت الطالب، وجاءت العنكبوت فسدت باب الطلب، وحاكت وجه المكان فحاكت ثوب نسجها، فحاكت سرا حتى عمي على القائف الطلب "ولله در القائل":

والعنكبوت أجادت حوك حلتها ... فما تخال خلال النسج من خلل

ولقد حصل للعنكبوت الشرف بذلك، وما أحسن قول ابن النقيب:


وتفسخ" بمعجمة: تقطع، "العنكبوت وهذا أبلغ في الإعجاز من مقاومة القوم بالجنود" لأنها معتادة ونبات الشجرة وبيض الحكام ونسج العنكبوت في زمن يسير مع حصول الوقاية به خارق للعادة، "فتأمل" انظر بعين البصيرة، "كيف أظلت الشجرة المطلوب وأضلت" حيرت "الطالب وجاءت عنكبوت فسدت باب الطلب، وحاكت وجه المكان" أي: نزلت فيه وثبتت من قولهم حاك في صدري كذا إذا رسخ، "فحاكت ثوب نسجها" أي: أوجدت الثوب الذي نسجته وهو ما على فم الغار من نسجها، "فحاكت" أي: آثرت، "سترا" بما نسجته "حتى عمي على القائف الطالب" من قولهم: حاك الشيء إذا أثر، وأنشد لغيره بيتا هو: "والعنكبوت أجادت" أحكمت "حوك" نسج "حلتها" أي: ما نسجته والحلة لغة زار ورداء، فاستعار له اسمها، وأطلقه على ما نسجته "فما تخال" تظن "خلال النسج من خلل"، أي: فبسبب ذلك الإحكام لا ترى خللا فيما نسجته، وعبر عن الرؤية بالظن مجازا، "ولقد حصل للعنكبوت الشرف بذلك" وروي أن حمام مكة أظلته -صلى الله عليه وسلم- يوم فتح مكة فدعا لها بالبركة ونهى عن قتل العنكبوت، وقال: "هي جند من جنود الله". وقد روى الديلمي في مسند الفردوس مسلسلا بمحبة العنكبوت حديا، فقال: أخبرنا والدي، قال: وأنا أحبها، أخبرنا فلان: وأنا أحبها، حتى قال عن أبي بكر: لا أزال أحب العنكبوت منذ رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- أحبها، ويقول: "جزى الله العنكبوت عنا خيرا، فإنها نسجت علي وعليك يا أبا بكر في الغار حتى لم يرنا المشركون ولم يصلوا إلينا"، وكذا رواه أبو سعد السمان البصري في مسلسلاته، قال في العمدة: إلا أن البيوت تظهر من نسجها، انتهى. وأسند الثعلبي وابن عطية وغيرهما عن علي، قال: طهروا بيوتكم من نسج العنكبوت، فإن تركه في البيت يورث الفقر. وأخرج ابن عدي عن ابن عمر رفعه: "العنكبوت شيطان مسخه الله، فاقتلوه"، وهو حديث ضعيف ورواه أبو داود مرسلا بدون مسخه الله.
"وما أحسن قول ابن النقيب" محمد بن الحسن الكناني من مشاهير الشعراء مات سنة سع وثمانين وستمائة عن تسع وسبعين سنة:

<<  <  ج: ص:  >  >>