للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وانقل حماها إلى الجحفة".

قالت -يعني عائشة: وقدمنا المدينة وهي أوبأ أرض الله،...................................


المدينة والبركة في ثمارها، والظاهر أن الإجابة حصلت بالأول، والتكرير لطلب المزيد فيها من الدين والدنيا، وقد ظهر ذلك في نفس الكيل بحيث يكفي المد بها ما لا يكفيه بغيرها، وهذا أمر محسوس لمن سكنها.
"وأنقل حماها إلى الجحفة" بضم الجيم وسكون المهملة وفتح الفاء: قرية جامعة على اثنين وثمانين ميلا من مكة نحو خمس مراحل وثمانية من المدينة، وكانت تسمى مهيعة، وبه عبر هنا في رواية ابن إسحاق والنسائي بفتح الميم وسكون الياء على وزن جميلة، وكانت يومئذ مسكن اليهود، وهي الآن ميقات مصر والشام والمغرب، ففيه جواز الدعاء على الكفار بالأمراض والهلاك وللمسلمين بالصحة وإظهار معجزة عجيبة فإنها من يومئذ وبئة لا يشرب أحد من مائها إلا حم، ولا يمر بها طائر إلا حم وسقط.
وروى البخاري والترمذي وابن ماجه عن ابن عمر رفعه: "رأيت في المنام، كأن امرأة سوداء ثائرة الرأس خرجت من المدينة حتى نزلت مهيعة، فتأولتها أن وباء المدينة نقل إليها".
وفي رواية: قدم إنسان من طريق مكة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "هل لقيت أحدًا"؟ قال: يا رسول الله، إلا امرأة سوداء عريانة ثائرة الرأس فقال صلى الله عليه وسلم: "تلك الحمى، ولن تعود بعد اليوم"، ولا مانع من تجسم الأعراض خرقا للعادة، لتحصل الطمأنينة لهم بإخراجها. قال السمهودي: والموجود الآن من الحمى بالمدينة ليس من حمى الوباء بل رحمة ربنا، ودعوة نبينا للتكفير، قال: وفي الحديث: "أصح المدينة ما بين حرة بني قريظة، والعريض"، وهو يؤذن ببقاء شيء منها به، وأن الذي نقل عنها أصلا ورأسا سلطانها وشدتها ووباؤها وكثرتها بحيث لا يعد الباقي بالنسبة إليها شيئا، قال: ويحتمل أنها رفعت بالكلية ثم أعيدت خفيفة لئلا يفوت ثوابها، كما أشار إليه الحافظ ابن حجر، ويدل له ما رواه أحمد وأبو يعلى وابن حبان والطبراني عن جابر: استأذنت الحمى على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "من هذه"؟ فقالت: أم ملدم، فأمر بها إلى أهل قباء، فبلغوا ما لا يعلمه إلا الله فشكو ذلك إليه، فقال: "ما شئتم" إن شئتم دعوت الله ليكشفها عنكم، وإن شئتم تكون لكم طهورا؟ " قالوا: أوتفعل؟ قال: "نعم"، قالوا: فدعها، انتهى.
"قالت: يعني عائشة: وقدمنا المدينة" بعد ذلك والمسجد يبنى، كما يأتي "وهي أوبأ أرض الله" أي: أكثر وباء وأشد من غيرها، زاد ابن إسحاق: قال هشام بن عروة: وكان وباؤها معروفا في الجاهلية، وكان الإنسان إذا دخلها وأراد أن يسلم من وبائها، قيل: انهق، فينهق كما

<<  <  ج: ص:  >  >>