للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فما عرف إلّا ببنانه -أي أصابعه، وقيل أطرافها، واحدتها بنانة.

وخرج -صلى الله عليه وسلم- يلتمس حمزة، فوجده ببطن الوادي، قد بُقِرَ بطنه عن كبده، ومُثِّل به فجدع أنفه وأذناه، فنظر -عليه الصلاة والسلام- إلى شيء لم ينظر إلى شيء أوجع لقلبه منه, فقال: "رحمة الله عليك، لقد كنت فعولًا للخير، وصولًا للرحم، أما والله


فأين تذهبين بهم؟ قالت: إلى المدينة أقبرهم فيها، ثم زجرت بعيرها فبرك، فقالت لها عائشة لما عليه قالت: ما ذاك به؟ فإنه لربما حمل ما يحمل بعيران، ولكن أراه لغير ذلك, وزجرته ثانيًا، فقام وبرك, فوجهته إلى أُحد فأسرع, فرجعت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم, فأخبرته فقال: "إن الجمل مأسور، هل قال عمرو -يعني ابن الجموح، شيئًا"؟ قالت: إنه لما توجه إلى أُحد قال: اللهمَّ لا تردني إلى أهلي وارزقني الشهادة، فقال -صلى الله عليه وسلم: "فلذلك الجمل لا يمضي, إن فيكم معشر الأنصار من لو أقسم على الله لأبَرَّه, منهم عمرو بن الجموح، ولقد رأيته يطأ بعرجته في الجنة". وهذا يناكد من قال: لعل سرَّ عدم سير الجمل أنه ورد الأمر بدفن الشهداء في مضاجعهم.
"فما عرف"؛ لأنه مُثِّل به وجدع "إلّا ببنانه، أي: أصابعه،" قيل: سميت بنانًا؛ لأن بها صلاح الأحوال التي يستقر بها الإنسان، يقال: أبن بالمكان إذا استقرَّ به كما في المصباح، "وقيل: أطرافها واحدتها بنانة".
قال ابن إسحاق: "وخرج -صلى الله عليه وسلم" فيما بلغني، "يلتمس حزة، فوجده ببطن الوادي قد بقر" بالبناء للمفعول، أي: شُقَّ "بطنه عن كبده", وفاعل ذلك هند ووحشي كما مَرَّ، "ومثل به" بضم الميم وكسر المثلثة المخففة, وتشدد لإرادة التكثير كما مَرَّ، "فجدع" بالتخفيف والتشديد للمبالغة، أي: قطع "أنفه وأذناه" بالرفع نائب الفاعل.
قال ابن إسحاق: فحدَّثني محمد بن جعفر بن الزبير، أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "لولا أن تحزن صفية وتكون سنة من بعدي لتركته حتى يكون في بطون السباع وحواصل الطير". زاد ابن هشام وقال: "لن أصاب بمثلك أبدًا"، ونزل جبريل فقال: إن حمزة مكتوب في أهل السموات السبع أسد الله وأسد رسوله.
وأخرج اليعمري من طريق أبي طالب في الغيلانيات بسنده عن أبي هريرة، أنه -صلى الله عليه وسلم وقف على حمزة حين استشهد، "فنظر -عليه الصلاة والسلام- إلى شيء لم ينظر إلى شيء أوجع لقلبه منه, فقال: "رحمة الله عليك لقد كنت" ما علمتك كما في الرواية، أي: مدة علمي لك، "فعولًا للخير" أي: مكثرًا لفعله، "وصولًا للرحم"، مكثرًا لوصلهم يما يليق بكل منهم، وأسقط المؤلف من ذا الحديث ما لفظه: "ولولا حزن من بعدك عليك لسرني أن أدعك حتى تحشر من أفواهٍ شتى" قبل قوله: "أما والله" بألف بعد ميم وبحذفها.

<<  <  ج: ص:  >  >>