للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لأمثِّلنَّ بسبعين منهم مكانك"، قال: فنزلت عليه خواتيم سورة النحل: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِه} [النحل: ١٢٦] الآية, فصبر وكفَّر عن يمينه وأمسك عمَّا أراد.


قال ابن الشجري في الأمالي: ما الزائدة للتوكيد، ركبوها مع همزة الاستفهام، واستعملوا مجموعهما على وجهين: أحدهما أن يراد به معنًى حقًّا في قولهم: أما والله لأفعلنَّ، والآخر: أن تكون افتتاحًا للكلام بمنزلة ألَّا, كقولك: أما إن زيدًا منطلق، وأكثر ما تحذف ألفًا إذا وقع بعدها القسم؛ ليدلَّ على شدة اتصال الثاني بالأول؛ لأنَّ الكلمة إذا بقيت على حرف لم تقم بنفسها، فعُلِم بحذف ألفها افتقارها إلى الاتصال بالهمزة، هكذا قاله النووي في شرح: أما والله لأستغفرنَّ لك، فنقله هنا البرهان وهو حسن, إلا أنه لم يعجبني نقله قول النووي: أم من غير ألف بعد الميم، وفي كثير من الأصول أو أكثرها: إما بالألف بعد الميم، وكلاهما صحيح؛ لأن هذا إنما قاله النووي في لفظ حديث مسلم، لا في هذا الحديث، فإنه ليس في مسلم، فلذا أسقطت صدر عبارة النووي. "لأمثلنّ بسبعين منهم مكانك" , وفي رواية ابن إسحاق: "ولئن أظهرني الله على قريش لأمثلنَّ بثلاثين رجلًا منهم".
قال البرهان: فيحتمل أنه قال مرتين، أو أنَّ مفهوم العدد ليس بحجة، ورواية الأقل داخلة في رواية الأكثر، "فنزلت عليه" لفظ الحديث: فنزل جبريل والنبي -صلى الله عليه وسلم- واقف بـ "خواتيم سورة النحل، {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: ١٢٦] الآية, {وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل: ١٢٦] إلى آخر السورة، "فصبر" كما أمره ربه بقوله: فاصبر، "وكفَّر عن يمينه" لعزمه على الضد، "وأمسك عمَّا أراد، وهذا الحديث رواه الحاكم، والبيهقي، والبزار والطبراني, قال في الفتح بإسناد فيه ضعف، عن أبي هريرة أنه -صلى الله عليه وسلم- لما رأى حمزة قد مُثِّلَ به قال: "رحمة الله عليك, لقد كنت وصولًا للرحم، فعولًا للخير، ولولا حزن من بعدك لسرني أن أدعك حتى تحشر من أجواف شتى"، ثم حلف وهو مكانه: "لأمثلنَّ بسبعين منهم"، فنزل القرآن: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} إلخ السورة.
وعند ابن مردويه، عن ابن عباس نحوه، وقال في آخره: بل نصبر يا رب.
وروى الترمذي، وحسَّنه، والحاكم وعبد الله بن أحمد في زيادات المسند، والطبراني عن أُبَيّ بن كعب، قال: لما كان يوم أحد مثَّل المشركون بقتلى المسلمين، فقال الأنصار: لئن أصبنا منهم يومًا من الدهر لنريين عليهم، فلما كان يوم فتح مكة نادى رجل: لا قريش بعد اليوم، فأنزل الله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} الآية، فقال صلى الله عليه وسلم: "كفّوا عن القوم".
قال في اللباب: وظاهر هذا تأخر نزولها إلى الفتح، وفي الحديث الذي قبله نزولها بأحد،

<<  <  ج: ص:  >  >>