فهذا لا يترتب عليه حكم، لذلك لا يُشدد فيه، وقوله:«نذرت أن أعتكف ليلة» أو «نهارًا» أو «يومًا» فهذا لا يترتب عليه حكم، أما الذي يترتب عليه حكم هو الذي يُبحث مبحث زيادة الثقة، وكثير من الفقهاء يخطئ في مثل هذا من جهتين:
o الجهة الأولى: يُرجعه إلى تعدد الوقائع، وقد تقدم أن هذا غلط.
o الجهة الثانية: يستنبط منه أحكامًا.
ففي صحيح مسلم:«من توضأ يوم الجمعة ثم أتى ... » والألفاظ الكثيرة: «من اغتسل»، فقال بعضهم: هذا يدل على عدم وجوب الاغتسال، وإن كان الاغتسال ليس واجبًا لأدلة أخرى، لكن هذا اللفظ لا يصح أن يُعتمد عليه لأن المخرج واحد، ولابد أن يُرجح بين لفظ الاغتسال أو الوضوء.
أما الفقهاء لا ينتبهون لمثل هذا، وقد ذكر هذا العلائي كما تقدم وعاب على الفقهاء ابن دقيق العيد، وابن تيمية، وابن القيم، وغيرهم من أهل العلم، وقالوا: إن الحديث واحد، فلابد أن يُرجح فيه، ولا يُستنبط من كل حديث حكمًا، بل لابد من الترجيح، وهذا مبحث دقيق ومهم، فإذا كان الحديث واحدًا وزاد بعضهم لفظًا ينبني عليه حكم فيُشدد فيه ويُرجح بين الألفاظ ولا يُستنبط من هذا حكمًا ومن هذا حكمًا.
لذا لما ذكر ابن القيم -رحمه الله تعالى- في كتابه (الهدي) الإسراء والمعراج وأنه جاء ذكره في أكثر من حديث، قال: ذهب ظاهرية الإسناد إلى تعدد الوقائع، قال: والواقعة واحدة. وهذه فائدة نفيسة من ابن القيم -رحمه الله تعالى-.
• المسألة السادسة: تقدم أن مبحث زيادة الثقة إذا كان المخرج واحدًا، ومع ذلك يُوجد في كلام فرسان وأئمة هذا الفن أنهم يُعلون حديثًا بحديث آخر، ولو اختلفت المخارج، فإنه بسعة نظره واطلاعه يعلم أن الحديثين حديث واحد، فيُعل هذا بهذا، وقد يحصل في هذا خلاف بينهم، ومن أمثلة ذلك: أن الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- أعلَّ ما روى مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أدرك أناسًا من المسلمين فقال:«من أنتم؟» قالوا: المسلمون، قالوا: ومن أنت؟ قال:«أنا رسول الله» -صلى الله عليه وسلم-، فرفعت إليه امرأة صبيًا وقالت: ألهذا حج؟ قال:«نعم، ولكِ أجر». أخرجه مسلم من حديث ابن عباس.
أعلَّه البخاري بقول ابن عباس:"أيما صبي حج ثم بلغ الحنث فعليه الحج حجةً أخرى" أعله في كتابه (التاريخ الصغير) وبعضهم يسميه: (التاريخ الأوسط) في مبحث ذكره -رحمه الله تعالى- والمقصود من هذا أنه أعل حديثين لم يتفق