للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأبصرتم، والأسماع فسمعتم والألسنة فنطقتم والقلوب فعلتم، والعقول ففهمتم وأشهدتكم على أنفسكم لي بالوحدانية فشهدتم وعند الإقبال أدبرتم، وبعد الإقرار أنكرتم، ونقضتم عهودنا وغبرتم فلا يوحشنكم ذلك منا فإن عدتم عدنا، وزدنا في الكرم وجدنا فمن عثر أقلنا ومن قطع وصلنا، ومن تاب قبلنا، ومن شي ذكرنا، ومن عمل قليلا شكرنا نعطي ونمنح، ونجود ونسمح ونعفو ونصفح كرمنا مبذول وسترنا مسبول، عبدي انظر إلى السماء وارتفاعها، والشمس وشعاعها، والأرض واقطارها والأمواج وبحارها والفصول وأزمانها، والأوقات واتيانها وما هو ظاهر وكامن متحرك وساكن مستيقظ وراكع وساجد وما غاب وما حضر، وما خفي وما ظهر الكل يشهد بجلالي ويقر بكمالي ويعلن بذكري ولا يغفل عن شكري عبدي أذكرك وتنساني، وأسترك ولا ترعاني لو أمرت الأرض لابتلعتك من حينها، أو البحار لغرقتك في معينها، ولكن أحميك بقدرتي وأمدك بقوتي وأؤخرك إلى أجل أجلته، ووقت وقته فلابد لك من الورود علي والوقوف بين يدي أعدد عليك أعمالك، وأذكرك أفعالك حتى إذا يقنت بالبوار وقلت لا محالة أنك من أهل النار أوليتك غفراني ومنحتك رضواني، وغفرت لك الذنوب والأوزار وقلت لا تحزن فمن أجلك سميت نفسي الغفار وأنشدوا في المعنى: شعر:

أتعرض عنا والجنان فسيح ... وتهرب منا إن ذا لقبيح

ويبدو لنا من نحوك الصد والجفا ... ومن نحونا ود لديك صحيح

وندعوك للحسنى ونمنحك الرضا ... وأنت لأسباب البعاد طروح

وكم مرة جاءتك منا رسائل ... وفيها خطاب لو سمعت فصيح

إليك أشرنا بالوداد فكلما ... وفيه لنا سر يصان وروح

فيا أيها الغصن الرطيب قوامه ... يعد قبيحا فهو منك مليح

فائدة: لما هبط آدم عليه السلام بكى على ذنبه فقال يا رب إني تبت وأصلحت أتقبلني فأوحى الله إلى آدم أني كتبت على عرشي من قبل أن أخلق السموات والأرض وإني لغفار لمن تاب أحشر التائبين ضاحكين مستبشرين ودعاؤهم مستجاب وتقدم قريبا أن الله تعالى تاب على آدم قبل هبوطه وذكر الغزالي رضي الله عنه في الإحياء أن العبد إذا كان مسرفا على نفسه فيرفع يديه ويقول يا رب حجبت الملائكة صوته أولا وثانيا وثالثا وفي الرابعة يقول الله تعالى إلى متى تحجبون صوت عبدي عني قد علم أنه ليس له رب يغفر الذنوب غيري أشهدكم يا ملائكتي أني قد كفرت له ... فوائد.. الأولى: ما الحكمة في تسليط إبليس على المؤمن قال العلائي في سورة يوسف قال العلماء فيه لطف عظيم فإنه تعالى يجعل بمعاصينا عليه قال تعالى فأزلهما الشيطان أي فوسوس لهما الشيطان وما أنسانيه إلا الشيطان من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي وقال النيسابوري في أول تفسيره الحكمة في تسليط إبليس لعنه الله على المؤمن أنه إذا أوقعه في معصية وتاب منها يكون أشد عليه ممن لم يوقعه في المعصية كالصياد إذا وقع في شبكته صيد ثم ذهب فإنه

<<  <  ج: ص:  >  >>