للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبكلامه؛ فَهَلْ وجدتَ ذَلِك مَكْتُوبًا عَليَّ قبلَ أَنْ أُخلق؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فحَجَّ آدمُ مُوسَى» (١).

وآدَم لم يَحْتَجَّ على مُوسَى بِالقَدَرِ؛ ظنًّا أَنْ المذنب يَحْتَج

بِالقدرِ؛ فَإِنْ هَذَا لَا يَقُوله مُسلمٌ ولَا عَاقل، ولَو كَانَ هَذَا عذرًا لَكَانَ عذرًا لإبليس وقوم نوح وقوم هود وكل كَافِر. ولَا مُوسَى لَامَ آدم- أَيْضًا- لأجل الذَّنب، فَإِنَّ آدم قد تَابَ إِلَى ربِّه فاجتباه وهدى، ولَكِن لامه لأجل المُصِيبَة الَّتِي لَحقتهم بالخطيئة. ولِهَذَا قَالَ: فلماذا أخرجتنا ونفسَك من الجنَّة؟ فَأَجَابَهُ آدم: إِنَّ هَذَا كَانَ مَكْتُوبًا عليَّ قبل أَنْ أُخلق.

فَكَانَ العَمَلُ والمصيبةُ المترتبة عَلَيْهِ مقدَّرًا، ومَا قُدِّر من المصائب يجب الاستسلام لَهُ، فَإِنَّهُ من تَمام الرِّضَا بِاللَّه رَبًّا.

وأمَّا الذُّنُوب فَلَيْسَ للعَبد أَنْ يُذنب، وإِذا أذْنب فَعَلَيهِ أَنْ يَسْتَغْفر ويَتُوب؛ فيَتوب من صنوف المعايب، ويصبر على المصائب؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿فاصبر إِنْ وعد الله حق واستغفر لذنبك﴾ [غافر: ٥٥]، وقَالَ تَعَالَى: ﴿وإِن تصبروا وتتقوا لَا يضركم كيدهم شَيْئا﴾ [آل عمران: ١٢٠]، وقَالَ: ﴿وإِن تصبروا وتتقوا فَإِنْ ذَلِك من عزم الأُمُور﴾ [آل عمرَان: ١٨٦]، وقَالَ يُوسُف : ﴿إِنَّه من يتق ويصبر فَإِنْ الله لَا يضيع أجر المُحْسِنِينَ﴾ [يُوسُف: ٩٠]».

سبق أن تقدم أنَّ من المتصوفة مَنْ يرون القول بالجبر، أي: أن العبد مجبور على فعله، ويَرون أنه كالريشة في مَهَبِّ الريح، وأنه لا إرادة ولا قدرة له؛ فيَسلبون قدرة العبد بالكلية، وبهذا يرون أن العبد


(١) لَفَّق المصنفُ بين روايات الحديث؛ وأخرجه البخاري في مواضع (٣٤٠٩)، (٤٧٣٦)، (٤٧٣٨)، (٦٦١٤)، (٧٥١٥) ومسلم (٢٦٥٢) من حديث أبي هريرة ?.

<<  <   >  >>