للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليه أن يَستسلم لكل ما يَمر به.

وهنا يشير المصنف رحمه الله تعالى إلى أنه يجب التفريق بين مقامين: بين مقام المصيبة ومقام الذنوب.

فمقام المصيبة انها أمر كوني قدري يُقدره الله على العباد؛ فإذا وقع للعبد ابتلاء مما كتبه عليه، فعلى العبد أن يستسلم له، وليس للإنسان أن يَعيب على إنسان في مصيبة كتبها الله عليه، كما جاء في قصة موسى وآدم .

وأمَّا في مقام الذنوب ومقام الطاعات، فمعلوم أن الإنسان قد رَكَّب الله تعالى فيه من القدرة والإرادة والمشيئة ويسَّر له الأسباب؛ ويجب عليه أن يجتهد في تحقيق الطاعات، والابتعاد عن الذنوب، ولذلك قال هنا موضحًا اعتقاد الجبرية الفاسد: «ولكن كثيرًا من الرجال غلطوا فيه؛ فإنهم قد يشهدون ما يُقَدَّر على أحدهم من المعاصي والذنوب، أو ما يُقَدَّر على الناس من ذلك؛ بل من الكفر، ويشهدون أن هذا جار بمشيئة الله وقضائه وقدره، داخل في حُكم رُبوبيته ومقتضى مَشيئته؛ فيَظنون الاستسلام لذلك وموافقته والرِّضا به ونَحْو ذَلِك دينًا وطريقًا وعبادَة؛ ويقولون بأن هذا هو شهود الحقيقة الكونية، وقد تقدم الكلام عنها.

وهذا وجه الغلط عندهم.

لذا تجدهم يقررون أن الكُفَّار لا يُلامون على كفرهم، وأنَّ العُصاة لا يلامون على معصيتهم؛ لأنهم- كما يزعمون- قد حَقَّقوا قدرَ الله تعالى!

فأصبح حالهم كحال القدرية من المشركين الذين قال الله فيهم: ﴿لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء﴾ [الأنعام: ١٤٨]،

<<  <   >  >>