للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذلك في قولهم: ﴿أنطعم مَنْ لو يشاء الله أطعمه﴾ [يس: ٤٧]، وقوله: ﴿لو شاء الرحمن ما عبدناهم﴾ [الزخرف: ٢٠]؛ فمقولة هؤلاء وحالهم هي نفس مقولة أولئك وحالهم.

فالقدر حجة في المصائب، ولذلك لما هَمَّ عمر بن الخطاب ? بالرجوع قبل أن يدخل أرض الشَّام؛ لأن الوباء قد وقع بها- قال له أبو عبيدة بن الجراح: «أفرارًا من قَدَر الله! فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة! نعم، نَفِرُّ من قَدَر الله إلى قَدَرِ الله، أرأيتَ لو كانت لك إبلٌ فهبطت واديًا له عُدْوتان؛ إحداهما: خِصْبة، والأخرى: جَدْبة، أليس إن رعيتَ الخِصبة رَعَيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله! قال: فجاء عبد الرحمن بن عوف وكان متغيِّبًا في بعض حاجته، فقال: إن عندي من هذا عِلْمًا، سمعتُ رسول الله يقول: «إذا سمعتُم به بأرضٍ؛ فلا تَقدَموا عليه، وإذا وقَع بأرض وأنتم بها، فلا تخرجوا فِرَارًا منه». قال: فَحَمِد اللهَ عمرُ بن الخطاب، ثم انصرف» (١).

والقدر ليس حجة على فعل المعاصي؛ وقد سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين عن شخص عاص عندما دُعِي للحق قال: «إنَّ الله لم يَكتب لي الهداية»؛ فكيف يُتعامل معه؟

فأجاب قائلًا: «نقول بكل بساطة: أطَّلعتَ الغيبَ أم اتخذت عند الله عهدًا؟

إن قال: نعم، كفر؛ لأنَّه ادَّعى علم الغيب. وإن قال: لا، خُصِم وغُلِب، إذا كنتَ لم تطلع أنَّ الله لم يَكتب لك الهداية فاهتدِ، فالله ما منعك الهداية، بل دعاك إلى الهداية، ورَغَّبك فيها، وحَذَّرك


(١) أخرجه البخاري (٥٧٢٩) ومسلم (٢٢١٩) من حديث عبد الله بن عباس .

<<  <   >  >>