للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من الضلالة، ونَهاك عنها، ولم يشأ الله ﷿ أن يدع عباده على ضلالة أبدًا؛ قال تعالى: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا﴾ [النساء: ١٧٦]، ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: ٢٦]؛ فتب إلى الله، والله ﷿ أشدُّ فرحًا بتوبتك من رجلٍ أَضَلَّ راحلته وعليها طعامه وشرابه، وأيس منها، ونام تحت شجرة ينتظر الموت؛ فاستيقظ فإذا بخطام ناقته مُتعلق بالشجرة، فأخذ بخطام الناقة فرحًا، وقال: «اللهم أنت عبدي وأنا ربُّك». أخطأ من شدة الفرح» (١)؛ فنقول: تُب إلى الله، واللهُ أمرك بالاهتداء، وبَيَّن لك طريق الحق. والله وليُّ التوفيق» (٢).

فالأمر الكوني القدري عندما يجري على الإنسان فهذا جانب، وأما الأمر الديني الشرعي فالله قد أمر العبد أن يجاهد نفسه، وبين الله له طريق الحق وطريق الضلال، وأمره بلزوم طريق الحق.

فأي إنسان مَنَّ الله عليه بفهم سليم يَعلم أن الله أمره بطاعته ونهاه عن معصيته؛ فلا بد له من مجاهدة نفسه على فعل الطاعة وترك المعاصي؛ لأنه قد زُيِّن للنفس حبُّ الشهوات، وهو مُبتلى في هذه الحياة؛ لأن الله تعالى قال: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾ [الملك: ١، ٢].

فهؤلاء الذين غلطوا في هذا الباب لم يُراعوا هذا الجانب، قال المصنف: «ولو هُدوا لعلموا أنَّ القَدَر أُمرنا أن نَرضى به، ونَصبر على موجبه في المصائب التي تُصيبنا». يعني في مقام المصائب،


(١) معنى أخرجه البخاري (٦٣٠٨) ومسلم (٢٧٤٧) من حديث أنس بن مالك ?.
(٢) «مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين» (٢/ ١٠٣، ١٠٤).

<<  <   >  >>