للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا. فالمصيبة إذًا التي حصلت له مجرد قضاء وقَدَر، وحينئذ يكون احتجاجه بالقدر على المصيبة الحاصلة احتجاجًا صحيحًا، ولهذا قال النبي : «حَجَّ آدمُ موسى، حَجَّ آدمُ موسى». وفي رواية للإمام أحمد: «فحَجَّه آدمُ» (١)، يعني: غلبه في الحُجَّة.

مثال آخر: رجل أصاب ذنبًا وندم على هذا الذنب وتاب منه، وجاء رجل من إخوانه يقول له: يا فلان، كيف يقع منك هذا الشيء؟ فقال: هذا قَضاء الله وقدرُه. فهل يصحُّ احتجاجه هذا أو لا؟

نعم يصح؛ لأنَّه تاب، فهو لم يحتج بالقدر؛ ليَمضي في معصيته، لكنه نادم ومُتأسف، ونظير ذلك «أن النبي دخل ليلة على عليِّ بن أبي طالب وفاطمةَ ؛ فقال: «أَلَا تُصَلِّيان؟». فقال عليٌّ ?: يا رسول الله، إن أنفسَنا بيدِ الله؛ فإن شاء الله أن يَبعثنا بَعَثنا! فانصرف النبيُّ يضرب على فخذه وهو يقول: ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا﴾ [الكهف: ٥٤]» (٢). فالرسول لم يَقبل حُجَّته، وبَيَّن أن هذا من الجدل؛ لأن الرسول يعلم أنَّ الأنفس بيد الله، لكن يريد أن يكون الإنسان حازمًا؛ فيحرص على أن يقوم ويُصَلِّي.

على كل حال تَبين لنا أن الاحتجاج بالقدر على المعصية بعد التوبة منها جائز، وأمَّا الاحتجاج بالقدر على المعصية تبريرًا لموقف الإنسان واستمرارًا فيها، فغير جائز» (٣).

فقال العلماء: «القدر حجة في المصائب لا في المعائب».

لكن المخالفين من الجبرية والصوفية ساووا بين الأمرين.


(١) أخرجه أحمد في «مسنده» (٢/ ٢٦٨) برقم (٧٦٢٣) من حديث أبي هريرة ?.
(٢) أخرجه البخاري (١١٢٧) من حديث علي بن أبي طالب ?.
(٣) «مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين» (٢/ ١٠٦، ١٠٧).

<<  <   >  >>