للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [النحل: ٧٦، ٧٥]، وقال تعالى: ﴿لا يستوى أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون﴾ [الحشر: ٢٠].

ونظائر ذلك مما يفرِّق الله فيه بين أهل الحق والباطل، وأهل الطاعة وأهل المعصية، وأهل البر وأهل الفجور، وأهل الهدى والضلال، وأهل الغي والرشاد، وأهل الصدق والكذب.

فمن شهد الحقيقة الكونية دون الدينية، سوَّى بين هذه الأجناس المختلفة التي فرَّق الله بينها غاية التفريق، حتى تؤول به هذه التسوية إلى أن يسوِّي بين الله وبين الأصنام، كما قال تعالى عنهم: ﴿تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين﴾ [الشعراء: ٩٨، ٩٧]، بل قد آل الأمر بهؤلاء إلى أن سَوَّوا الله بكل موجود، وجعلوا ما يستحقه من العبادة والطاعة حقًّا لكل موجود؛ إذ جعلوه هو وجودَ المخلوقات، وهذا من أعظم الكفر والإلحاد برب العباد».

تقدم أن المصنف- رحمه الله تعالى- قد عقد مقارنة بين ما عليه حال أهل الحق؛ أهل السنة والجماعة في شأن العبودية، وبين ما عليه أهل الباطل، وبالأخص هنا غلاة الصوفية، وتقدم أن أهل التصوف عطلوا العبودية عن معناها الحق؛ فجعلوا أمر التوحيد مقصورًا على الإيمان بالحقائق الكونية القدرية؛ فلهم انحراف في باب القَدَر، وخلاصته أنهم جبرية.

وكذلك في مقام التوكل أسقطوا الأسباب، ولم يُفَرِّقوا بين مشيئة الله ﷿ الكونية القدرية وبين مشيئته الدينية الشرعية؛ فلم يفرقوا بين ما شاءه الله كونًا وقدرًا، وبين ما أحبَّه دينًا وشرعًا، وجعلوا

<<  <   >  >>