للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأمرين على حدٍّ سواء؛ فتخبطوا وضَلُّوا في هذا الباب.

وضلال الصوفية لا يقتصر على ذواتهم وإنما يتعداهم إلى عامَّة الناس الذين يفتنون ويخدعون بهم، كما حَذَّر السلف قديمًا من ذلك؛ فقال الشَّعبي : «أَبْعِدِ الفاجرَ مِنْ العلماء، والجاهلَ مِنْ المتعبِّدين؛ فإنَّهما آفةُ كلِّ مفتون» (١)، وقال سفيان: «كان يقال: تعوَّذوا بالله مِنْ فتنة العابد الجاهل، وفتنة العالم الفاجر، فإنَّ فتنتهما فتنة كلِّ مفتون» (٢)؛ فالمتصوفة نشروا فكرهم بين كثير من الناس.

فإذا الضَّالون من المتصوفة في مقام التوكل يسقطون الأسباب، ويرون أن ترك الأسباب هو أعلى مقامات التوكل.

وعطلوا باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله.

وهكذا يسري الأمر عندهم في كثير من مسائل الدين وأمور التوحيد، وبالأخص توحيد العبادة.

فهنا أراد المصنف أن يُبَيِّنْ قيمة هذا الباب (باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، وأن يظهر ما له من مكانة ومنزلة في الإسلام، ثم عقب ذلك بقوله: «فمن شهد الحقيقة الكونية دون الحقيقة الدينية سَوَّى بين هذه الأصناف المختلفة، التي فرَّق الله بينها غاية التفريق؛ فلا بد من تعظيم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر».

وهؤلاء الضالُّون من المتصوفة جعلوا المعروف منكرًا، والمنكر معروفًا؛ ومن يقرأ سِيَرَهم، ويُطالع طبقاتهم يتعجب مما دَوَّنوه هم بأنفسهم من فضائح ومخازي يستحي الإنسان من ذِكرها؛ ومع ذلك


(١) أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (٢/ ٣١٥) برقم (١٧٥٣).
(٢) أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (٢/ ٣١٤) برقم (١٧٥٢).

<<  <   >  >>