للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أهزَّ هذا الصريخُ الموجعُ زعامة الغزالي؟

كلا، إذ كان عاكفًا على كتبهِ يُقَرِّرُ فيها أنَّ الجمادات تخاطب الأولياءَ، ويتحدثُ عن الصحو والمحو، دون أن يُقاتلَ، أو يدعو حتى غيره إلى قتالٍ!» (١).

وَقَالَ الدكتور زكي المبارك: «أتدري لماذا ذكرتُ لك هذه الكلمةَ عن الحروبِ الصليبيةِ؟ لتعرف أنَّه بينما بطرسُ الناسكُ يَقضي ليله ونهاره في إعدادِ الخطبِ وتحبيرِ الرسائلِ لحثِّ أهلِ أوروبا على امتلاكِ أقطارِ المسلمين- كان الغزاليُّ (حجةُ الإسلامِ) غارقًا في خلوتهِ، منكبًّا على أورادهِ، لا يَعرفُ ما يجبُ عليه من الدعوةِ والجهادِ» (٢).

وقال الدكتور عمر فروخ: «أَلَا يَعجبُ القارئ إذا عَلِم أن حُجَّةَ الإسلامِ أبا حامدٍ الغزالي شهد القدس تسقطُ في أيدي الفرنجةِ الصَّليبين، وعاش اثنتي عشرة سنة بعد ذلك ولم يُشر إلى هذا الحادثِ العظيمِ، ولو أنه أهاب بسكانِ العراقِ وفارس وبلادِ التركِ لنصرةِ إخوانهم في الشامِ لنفر مئاتُ الألوفِ منهم للجهادِ في سبيلِ اللهِ .. وما غفلةُ الغزالي عن ذلك إلا لأنَّه كان في ذلك الحين قد انقلب صوفيًّا، واقتنع على الأقل بأن الصوفيةَ سبيلٌ من سُبُلِ الحياةِ، بل هي أسدى تلك السُّبُلِ وأسعدها.

ويُعَلِّل المتصوفة سكوتهم ورضاهم بما يَنزلُ بقومهم من المصائبِ بأن هذه المصائب عقابٌ من الله للمُذنبين مِنْ خلقهِ، فإذا كان اللهُ قد سَلَّط على قومٍ ظالمًا فليس لأحدٍ أن يُقاومَ إرادةَ اللهِ أو


(١) «هذه هي الصوفية» (ص ١٧٠، ١٧١).
(٢) «الأخلاق عند الغزالي» (ص ٢٥).

<<  <   >  >>