للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومِنْهُم صنف يدَّعون التَّحْقِيق والمعرفة، ويزعمون أَنْ الأَمر والنَّهْي لَازم لمن شهد لنَفسِهِ أفعالًا، وأثبت لَهُ صِفَات. أما مَنْ شهد أَنْ أَفعاله مخلوقة، أَوْ أَنه مجبور على ذَلِك، وأَن الله هُو المُتَصَرف فِيهِ، كَمَا يُحَرك سَائِر المتحركات، فَإِنَّهُ يَرْتَفع عَنهُ الأَمر والنَّهْي والوعد والوعيد.

وقد يَقُولُونَ: مَنْ شهد الإِرَادَة سَقط عَنهُ التَّكْلِيف. ويزعمون أَنْ الخضر سَقَطَ عَنهُ التَّكْلِيف؛ لشهوده الإِرَادَة».

قول المصنف رحمه الله تعالى: «وهؤلاء الذين يشهدون الحقيقة الكونية» يريد بهؤلاء: المتصوفة، وهم- كما قد تقدم- يرون أن التوحيد، أي: توحيد الخاصة عندهم، يُراد به: شهود الحقيقة الكونية، مع انحرافهم في هذا الباب، وقولهم بالجبر، وأن الإنسان مجبور على فعله، فهؤلاء المتصوفة على مراتب في الضلال.

فغُلاة هؤلاء في هذه المسألة يجعلون ذلك مطلقًا عامًّا؛ فعندهم أنه قد يكون هناك مانع من اتِّباع الأمر الديني الشرعي، ذلك أنهم يقولون: إن كل فعل يفعله العبد فهو مجبور عليه، وبالتالي على العبد أن يشهد في هذا الفعل قُدرة الله ﷿، وما دام أنه يشهد قدرة الله ﷿ فما عليه بهذا إلا أنه لا يَستحسن حسنة ولا يستقبح سيئة؛ إذ إن الكل عند هؤلاء من عند الله ﷿، فهو إن فعل حسنة فذاك فِعل الله ﷿، وإن فعل سيئة فذاك فِعل الله ﷿.

ويترتب على ذلك تعطيلُ باب الأوامر والنواهي، وهذا قد تقدم بيانه.

وهؤلاء الغلاة يحتجون بالقَدَر في كل ما يخالفون به الشريعة،

<<  <   >  >>