فكل أمر خالفوا فيه الشريعة حُجَّتهم في ذلك: أن هذا أمر مَقدور؛ ويقولون: أنه ما دام أنه أمر مقدور، فعلى العبد أن يُسَلِّم بهذا الأمر!
وعلى هذا لا يصبح هناك أي تقيد بأمر الشرع، ولا أي حرص من الإنسان- أو دافع منه- على فعل الخير؛ فيستوي عنده فعل الخير وفعل الشر؛ إذ الكل- بزعمه- من عند الله ﷿، وهو في فعله ذاك على أي الأحوال من خير أو شر- إنما يحقق أمر الله ﷿.
وهذا الذي قالوه- كما قال المصنف-: «شَرٌّ من قول اليهود والنصارى»؛ بل هو من جنس قول المشركين الذين قالوا: ﴿لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء﴾ [الأنعام: ١٤٨]، فهؤلاء شابهوا وشاكلوا المشركين، كما سيأتي تفصيله كذلك، بأن أهل الشرك قد ابتدعوا في جانبين:
الجانب الأول: ابتدعوا أنهم شرعوا أمورًا ما شرعها الله ﷿، كما فعلوا في مسألة الأنعام، وستأتي معنا.
الجانب الثاني: ابتدعوا في تحليل بعضها وتحريم بعضها من عند أنفسهم، وكلما فعلوا سيئة نَسبوها إلى الله ﷿؛ فيحتجون بشركهم أن هذا مشيئة الله ﷿.
وقول هؤلاء المتصوفة هو من جنس قول أولئك المشركين.
وقال:«وهؤلاء من أعظم أهل الأرض تناقضًا؛ لأن هؤلاء الذين يحتجون بالقدر لا يطردون هذا في كل حال»، وإنما في الحال الذي يَروق لهم ويناسبهم يحتجون بالقَدَر، وفي الحال الذي لا يَروق لهم لا يحتجون بالقدر، وقد بين ذلك فقال:«بل كل مَنْ احتج بالقدر فإنه مُتناقض؛ فإنه لا يمكن أن يقر كل آدمي على ما يفعل»!