للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فمن يحتج بالقدر لا يمكن أن يقر كل آدمي على ما يفعل؛ فلو جاءه لص وسرق ماله، ما أقرَّه على ذلك. ولو جاءه أحد واستحل عرضه ما أقرَّه على ذلك.

فلو انتشر هذا وشاع؛ لانتشر الظلم، وسعى الناس في الأرض فسادًا، وسُفكت الدماء، واستحلت الفروج، وأهلك الحرث والنسل، ونحو ذلك من الضرر التي لا قِوَام للناس به.

والواقع أن كل إنسان يعمل على دفع الظلم عن نفسه، والناس يعاقبون الظالم بما يكف عدوانه وعدوان أمثاله، ولا يمكن في هذه الأحوال أن يُحتج بالقدر، وإلا لقيل لهؤلاء: إن كان القدر حُجة؛ فدعوا كل أحد يفعل ما يشاء بكم وبأهاليكم وأموالكم.

فهل تستقيم بهذا حياة؟!

والجواب: يستحيل أن تستقيم أمور الناس بهذا.

فكيف يصبح القدر حجة لهؤلاء؟! فإذا كان يصح أن يكون حجة في مصالح الناس، فيمكن مع ذلك أن يصح أن يكون حجة في جانب عبادة الله ﷿، فإذا كان لا يصح أن يحتج به في مصالح الناس، فهو كذلك لا يصح أن يحتج به في جانب عبادة الله ﷿، وإن لم يكن حجة بطل أصل قولهم: إن القدر حجة.

فإذن: لا يمكن ولا يصح في أي حال أن يكون القدر حجة للعاصي، كما لا يصح أن يكون حُجة للمخطئ أو المذنب في حق الناس.

قال: «وأصحاب هذا القول الذين يحتجون بالحقيقة الكونية لا يطردون هذا القول»، أي: لا يستمرون عليه، ولا يلتزمونه في كل أمورهم، وإنما يتبعون آراءهم وأهواءهم؛ فمتى ما كان القدر يناسب آراءهم وأهواءهم أخذوا به، وأما إذا كان القدر لا يناسب

<<  <   >  >>