آراءهم وأهواءهم لم يأخذوا به، كما قال بعض العلماء:«عند الطاعة قدرية، وعند المعصية جبرية»، فأي مذهب وافق أهواءهم تمذهبوا به.
فترى الواحد منهم عند الأمر يحتج بالقدر؛ فيقول: لو شاء الله أن أُصَلِّي سأصلي، وإن لم يشأ أن أُصلي فلن أصلي!
وأمَّا في جانب المعصية، فيقول: أنا مجبور على فِعلها، لا أستطيع أن أخالف فِعل الله فيَّ!
فلماذا لا يقول: أنا مجبور على الطاعة؛ سأقوم وأُصلي؛ لأنني مجبور.
فهو إذا جاء باب الطاعة أصبح قدريًّا؛ فيحتج بالقدر على تركها.
وإذا جاء باب المعصية أصبح جبريًّا؛ يزعم أنه مجبور على فعلها ..
فيتمذهب بالمذهب الذي يُوافق هواه؛ لينسلخ من الأوامر، وليقترف من النواهي ما شاء، والعياذ بالله.
وهذا الصنف الأول، وهم أشدهم غُلُوًّا.
وأمَّا الصنف الثاني، وهم الذين يدعون التحقيق والمعرفة، ويزعمون أن الأمر والنهي لازم لمن شهد لنفسه أفعالًا وأثبت له صفات، يعني: إذا كان العبد لم يصل إلى الدرجة المطلوبة من التصوف؛ بحيث يرى أنه فاعل لهذه الأشياء، وأن في هذه النفس هذه الصفات، فيقولون: هذا يلزمه أن يأتي بالأوامر والنواهي، بمعنى: أنه إذا كان من المريدين، أو كان من عوام الناس فعليه أن يلتزم بالأوامر والنواهي؛ لأن هذا لم يصل إلى درجة ورتبة من هذا