للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهي في الحقيقة جهليَّات- يَقينيات، مع أن اليقينيات: هي ما دل عليه الكتاب والسُّنَّة، والعقل السليم لا يخالف النَّقل الصَّحيح أبدًا، فإن اختلفا: فإمَّا أن يكون النقل غير صحيح، وإمَّا أن العقل غير سليم. هذه هي القاعدة؛ لأن العقل لا يُدرك كلَّ شيء، فهو قاصر وتابع للنَّقل، ولو كانت العقول كافية لما احتجنا إلى نزول القرآن ولا نقل السُّنَّة (١)، ولشيخ الإسلام كتاب رائع بعنوان: «درء تعارض العقل والنقل»، وقد أَلَّفه لمناقشة الفلاسفة وأهل الكلام والرد على القانون الكلي لفخر الدِّين الرَّازي وما توصل إليه الرَّازي من تقديم العقل على النقل في حال تعارضهما.

والميزان الذي أمر الله به عند التنازع هو ما بينه في قوله : ﴿فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول﴾ [النساء: ٥٩]، والرد إلى الله: هو الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول : هو الرد إليه في حياته، والرد إلى سنته بعد وفاته.

فمزاعم هؤلاء القوم ناتجة: إمَّا عن تحريف القول عن مواضعه؛ كتحريفهم لقوله تعالى: ﴿واعبد ربك حتى يأتيك اليقين﴾ [الحجر: ٩٩]، فقالوا: إن اليقين هو شهود الحقيقة الكونية.

وإمَّا عن الإعراض التام عن نصوص القرآن والسنة، فلا يتدبرونها ولا يعقلونها، وليس عندهم عناية بها؛ لا رواية ولا دراية، والعياذ بالله.

فهذا سمتهم وتلك حالهم، وتارة يقولون: نُفَوِّض معناها إلى الله، مع اعتقادهم نقيض مدلول المعنى، وكأنهم ليسوا معنيين بهذا الخطاب.


(١) انظر: «شرح العبودية» للفوزان (ص ٨٠).

<<  <   >  >>