للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصورة ولكن في أبواب الطاعات، ولعل قصة الإمام مالك مع العُمَري العابد تَصلح كمدخل يُقَرِّب تلك الصورة، فقد كتب عبد الله بن عبد العزيز العُمَري العابد إلى الإمام مالك يحضُّه على الانفراد والعمل، ويَرغب به عن الاجتماع إليه في العِلم؛ فكتب إليه مالك: «إنَّ الله ﷿ قَسم الأعمال كما قسم الأرزاق؛ فَرُبَّ رجل فُتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فُتح له في الصدقة ولم يُفتح له في الصيام، وآخر فتح له في الجهاد ولم يفتح له في الصلاة. ونَشر العلم وتعليمه من أفضل أعمال البر وقد رضيتُ بما فَتح الله لي فيه من ذلك، وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه، وأرجو أن يكون كِلانا على خير، ويجب على كلِّ واحدٍ مِنَّا أن يَرضى بما قُسِم له، والسَّلام» (١).

فهذا الرد على اختصاره إلا أنه أشار إلى مسألة مهمة يجب على المسلم استيعابها، وهي أن العِباد في نوافل الطاعات يتفاوتون فيما يَفتح الله عليهم من تلك النوافل؛ فمِن الناس مَنْ تراه يُكثر من صيام التطوع في مقابل أن غيره لا يزيد على صوم الفريضة ولو صام يومًا تطوعًا لوجد مشقة كبيرة في ذلك، ومن الناس مَنْ يُكثر من نوافل الصلوات والأذكار، لكنه في باب الصدقة لا يزيد على أداء فريضة الزكاة، وهناك مَنْ تجده في الأخلاق لا يُجاريه أحد، لكنه في غير ذلك من النوافل لا يُرى له مزيد عمل، ومصداق ذلك في قول النبي : «اعملوا فكل مُيَسَّر لما خُلِق له» (٢)، وقد يفتح لبعض الناس أكثر من باب، وهناك مَنْ تتعدد عنده الأبواب المتنوعة


(١) «التمهيد» لابن عبد البر (٧/ ١٨٥)، ونقلها عنه الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (٨/ ١١٤).
(٢) أخرجه البخاري (٤٩٤٩) ومسلم (٢٦٤٧) من حديث علي بن أبي طالب ?.

<<  <   >  >>