للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في الخيرات وهم لها سابقون﴾ [المؤمنون: ٦١]» (١).

فهذا الخوف يلازم المؤمن ولا ينفك عنه إلا عندما ينقطع العمل وتحضر ساعة الموت عند ذلك يُغَلِّبُ جانبَ الرَّجاء، وقد «جَاءَ سَائِلٌ إِلَى ابْنِ عُمَرَ، فَقَالَ لابْنِهِ: أَعْطِهِ دِينَارًا، فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ: تَقَبَّلَ اللهُ مِنْكَ يَا أَبَتَاهُ! فَقَالَ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ اللهَ تَقَبَّلَ مِنِّي سَجْدَةً واحِدَةً، أَوْ صَدَقَةَ دِرْهَمٍ واحِدٍ، لَمْ يَكُنْ غَائِبٌ أَحَبَّ إِليَّ مِنَ المَوْتِ؛ أَتَدْرِي مِمَّنْ يَتَقَبَّلُ اللهَ: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِينَ﴾ [المائدة: ٢٧]» (٢).

قال ابن رجب : «ولهذا كانت هذه الآية يشتد منها خوفُ السَّلف على نفوسهم؛ فخافوا ألَّا يكونوا من المُتَّقين الذين يَتقبل الله منهم» (٣).

ولذلك فمَن اتَّقى اللهَ في العبادة حَسُنت وقُبلت منه، ومن لم يتَّقِهِ فلا؛ ولذلك لا يركنن العبد إلى عمله، وليعلم أن تعلقه بالله ﷿ وليس بعمله.

فبعض هؤلاء إذا ابتلي وحصلت له استجابة دعوة مثلًا- ظن أنه قد استحق الولاية، وأن هذه الولاية لا تنفك عنه، بينما العبد قد يعطى من النعم ما يكون ابتلاء، وليس كل ما أنعم الله به على الإنسان إكرامًا له؛ لأن الله قد قال: ﴿فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه﴾ [الفجر: ١٥]؛ فسَمَّى هذا الابتلاء إكرامًا وتنعيمًا، ﴿فيقول ربي أكرمن وإما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن﴾ [الفجر: ١٥، ١٦]، ثم جاء الجواب بعدها: ﴿كلا﴾ [الفجر: ١٧]،


(١) أخرجه ابن ماجه (٤١٩٨)، والترمذي (٣١٧٥)، وصححه الألباني في «صحيح الترمذي» (٢٥٣٧).
(٢) أخرجه ابن عبد البر في «التمهيد» (٤/ ٢٥٦).
(٣) «جامع العلوم والحكم» (١/ ٢٦٢).

<<  <   >  >>