للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول ابن القيم: «﴿كلا﴾ أي: ليس كل مَنْ وَسَّعت عليه وأعطيته أكون قد أكرمتُه، ولا كلُّ مَنْ ضَيَّقت عليه وقَتَّرت أكون قد أهنتُه؛ فالإكرام: أن يُكرم الله العبد بطاعته، والإيمان به، ومحبته ومعرفته. والإهانة: أن يَسلبه ذلك» (١).

فكل هذا ابتلاء؛ قال الله تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٥].

فالعلم الذي أنعم الله به على العبد هو ابتلاء له، والمال الذي أعطاه الله ﷿ له هو ابتلاء له، والصحة ابتلاء؛ فكل نعم الله ﷿ على العبد إنما هي ابتلاء؛ ليمتحنه أيشكر أم يكفر؟ وسليمان لمَّا جاءه عرش ملكة سبأ: ﴿قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾ [النمل: ٤٠].

وقد قصَّ الله علينا قصة صاحب الجنتين؛ الذي قال: ﴿ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرًا منها منقلبًا﴾ [الكهف: ٣٦]، فهذا مرض يَعتري بعض النفوس، حيث تظن أن إنعام الله عليهم معناه: رضا الله عنهم في الدنيا والآخرة.

ولذلك حتى طالب العلم لا بد أن يعلم أن كل علم يكتسبه هو ابتلاء له، وأن ما حَصَّله ليس بحوله وقوته، وإنما كان بفضل الله عليه، وأنه سيسأل عنه يوم القيامة: قال رسول الله : «لا تزول قَدَمَا عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل عن عُمره فيما أفناه، وعن عِلمه فِيم فَعَل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جِسمه فيم أبلاه» (٢).


(١) «مدارج السالكين» (٢/ ٤١٣).
(٢) أخرجه الدارمي (٥٥٤) والترمذي (٢٤١٧) من حديث أبي برزة الأسلمي ?، وصححه الألباني في «صحيح الترغيب والترهيب» (١٢٦).

<<  <   >  >>