للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَنسلخ من هذه العبادة ويخرج منها، حتى إنه بعد ذلك لا يأتمر بمعروف ولا يَنتهي عن منكر؛ ويرى أن هذه الأمور تسقط عنه، وأن بلغ مقامًا أعظم من مقام عبادة الله ، ولا شك أن هذا- كما قال المصنف- لا يقع إلا مِنْ أجهل الخلق ومِن أَضَلِّهم وأَبْعَدهم عن دين الله ﷿.

وهذه الآيات بَيَّنت أنَّ أفضلَ مَقام وأفضل وصف يتصف به جميع الخلق- بمن فيهم الرُّسل والملائكة- هو وصف العبودية؛ فالملائكة قال الله تعالى عنهم: ﴿بل عباد مكرمون﴾ [الأنبياء: ٢٦]، فوصفهم بأنهم عباد له جل وعلا، وأنَّهم لا يَخرجون عن مقتضى هذه العبودية؛ فقال: ﴿لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون﴾ [التحريم: ٦]، وهذه أخص أوصافهم.

وكذلك الرُّسل عباد لله، لا يخرجون عن هذا الوصف الذي هو شَرَفٌ لهم؛ فبعد أن أكرم الله رسوله بالإسراء أنزل عليه قوله: ﴿سبحان الذي أسرى بعبده﴾ [الإسراء: ١]، ولما ذكر قصة ميلاد عيسى- العجيبة، ذكر عبوديته له ؛ فقال: ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا﴾ [مريم: ٣٠، ٣١]، وهكذا في سائر الآيات التي ذكرت دعوة الرسل إنما هي دعوة لعبادة الله وحده.

فليس للعبد إلا أن يحقق عبودية الله ، وهذا وحده هو سبيل الكمال وسبيل النَّجاة، وهو أساس دعوة الرُّسل، وأما دعوى

إسقاط العبادات فضلالٌ كبير وشر مستطير وخسران مبين.

والمصنف بعد أن أورد عددًا من الآيات في هذه المسألة- بَيَّن أن القرآن أكثر مِنْ ذكر شأن العبادة وبيان منزلتها، وتوضيح أنها هي

<<  <   >  >>