للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يُحِبُّهُ الله، فَيُحِبهُ الله».

أراد المصنف هنا أن يبين أنَّ احتياج الإنسان لبعض متاع الدنيا لا يدخل في التعلق المذموم بها؛ وهذا هو التوسط المطلوب، فليس معنى خوف التعلق بالدنيا: أن يَزهد فيها العبد وأن لا يَستعمرها، وإنما المراد ألَّا يكون حريصًا عليها، وأنَّها إذا جاءته من طريق شرعي يَنبغي أن يستخدمها في مرضاة الله، وأن تكون في يده وليست متحكمة فيه مستعبدة له مُستولية على قلبه شاغلة له عن الغاية من وجوده في هذه الحياة؛ وهي عبادة الله ؛ لذلك قال سبحانه: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ [القصص: ٧٧]، قال ابن كثير : «وقوله: ﴿وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تَنس نصيبك من الدنيا﴾ [القصص: ٧٧]، أي: استعمل ما وهبك الله من هذا المال الجزيل والنِّعمة الطائلة في طاعة ربِّك والتقرب إليه بأنواع القُربات، التي يَحصل لك بها الثواب في الدار الآخرة. ﴿ولا تنس نصيبك من الدنيا﴾ [القصص: ٧٧]، أي: مما أباح اللهُ فيها مِنْ المآكل والمَشارب والملابس والمساكن والمناكح؛ فإنَّ لربِّك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، ولِزَوْرِك- أي: ضيفك- عليك حقًّا، فآتِ كلَّ ذي حقٍّ حقه. ﴿وأحسن كما أحسن الله إليك﴾ [القصص: ٧٧] أي: أحسن إلى خلقه كما أحسن هو إليك، ﴿ولا تبغ الفساد في الأرض﴾ [القصص: ٧٧] أي: لا تَكن همتك بما أنت فيه أن تفسد به الأرض، وتُسيء إلى خلق الله؛ ﴿إن الله لا يحب المفسدين﴾ [القصص: ٧٧]» (١).


(١) «تفسير ابن كثير» (٦/ ٢٥٣، ٢٥٤).

<<  <   >  >>