للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بن أوس رضي الله تعالى عنه: «سَيِّدُ الاستغفار أن يَقول العبدُ: اللهم أنتَ ربِّي لا إله الا أنت، خَلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك مِنْ شَرِّ ما صنعتُ، أبوءُ لَكَ بنعمتك عليَّ، وأبوء بذنبي، فاغفر لي؛ إنَّه لا يَغفر الذنوب إلا أنت» (١)، فجمع في قوله : «أَبُوءُ لَكَ بنعمتك عليَّ وأَبُوء بذنبي» مشاهدةَ المِنَّة ومطالعةَ عيب النفس والعمل. فمشاهدة المنة توجب له المحبة والحمد والشكر لوليِّ النِّعم والإحسان، ومطالعة عيب النفس والعمل تُوجب له الذل والانكسار والافتقار والتوبة في كل وقت، وأن لا يرى نفسه إلا مفلسًا، وأقرب باب دخل منه العبد على الله تعالى هو الإفلاس؛ فلا يرى لنفسه حالًا ولا مقامًا ولا سببًا يتعلق به ولا وسيلة منه يَمُنُّ بها، بل يدخل على الله تعالى من باب الافتقار الصِّرف والإفلاس المحض، دخول مَنْ كسر الفقر والمسكنة قلبه حتى وصلت تلك الكسرة إلى سويدائه؛ فانصدع وشملته الكسرة من كل جهاته، وشهد ضرورته إلى ربِّه ﷿، وكمال فاقته وفقره إليه، وأنَّ في كل ذَرَّة مِنْ ذراته الظاهرة والباطنة فاقة تامة وضرورة كاملة إلى ربه ، وأنه إن تخلى عنه طَرفة عين هلك وخسر خسارة لا تُجبر، إلا أن يَعود الله تعالى عليه ويَتداركه برحمته. ولا طريق إلى الله أقرب من العبودية، ولا حِجاب أغلظ من الدَّعوى» (٢).

ولما كان رسولنا أحسن افتقارًا إلى الله كان أتم الخلق عبودية له ﷿.

وهذا حال الأئمة والصالحين، وقد قال ابن القيم عن افتقار


(١) أخرجه البخاري (٦٣٠٦) من حديث شداد بن أوس ?.
(٢) «الوابل الصيب» (ص ٧، ٨).

<<  <   >  >>