للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دينا فَلَنْ يُقبل مِنْهُ﴾ [آل عمرَان: ٨٥]، وقَالَ تَعَالَى: ﴿أفغير دين الله يَبْغُونَ وله أسلم من فِي السَّمَاوات والأَرْض طَوْعًا وكرهًا﴾ [آل عمرَان: ٨٣]، فَذكر إِسْلَام الكائنات طَوْعًا وكرها؛ لِأَن المَخْلُوقَات جَمِيعهَا متعبدة لَهُ التَّعَبُّد العَام؛ سَواء أقرَّ المقرُّ بذلك أَوْ أنكرهُ، وهم مدينون لَهُ مُدبرون، فهم مُسلمُونَ لَهُ طَوْعًا وكرهًا، لَيْسَ لأحد من المَخْلُوقَات خُرُوج عَمَّا شاءه وقَدَّره وقضاه، ولَا حول ولَا قُوة إِلَّا بِهِ، وهُو رب العَالمين ومَلِيكهم؛ يُصَرِّفهم كَيفَ يَشَاء، وهُو خالقهم كلهم وبارئهم ومصورهم، وكل مَا سواهُ فَهُو مربوب مَصْنُوع مفطور فَقير مُحْتَاج معبَّد مقهور، وهُو سُبْحَانَهُ الواحِد القهَّار، الخَالِق البارئ المصور».

مما لا شكَّ فيه أن المقصود من إثبات ربوبيته- سبحانه- لخلقه وانفراده بذلك: هو الاستدلال به على وجوب عبادته وحده لا شريك له؛ الذي هو توحيد الألوهية، فلو أن الإنسان أقر بتوحيد الربوبية ولم يقر بتوحيد الألوهية أو لم يَقم به على الوجه الصحيح؛ لم يكن مسلمًا، ولا موحدًا؛ بل يكون كافرًا جاحدًا.

ومعنى ذلك: أنَّ من أَقَرَّ بتوحيد الربوبية لله، فاعترف بأنه لا خالق ولا رازق ولا مدبر للكون إلا الله ﷿ لزمه أن يُقر بأنه لا يستحق العبادة بجميع أنواعها إلا الله سبحانه، وهذا هو توحيد الألوهية، فإن الألوهية هي العبادة، فتوحيدُ الربوبية دليلٌ لوجوب توحيد الألوهية؛ ولهذا كثيرًا ما يحتجُّ الله- سبحانه- على المنكرين لتوحيد الألوهية بما أقروا به من توحيد الربوبية؛ مثل قوله تعالى: ﴿يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون * الذي جعل لكم الأرض فراشًا والسماء بناءً وأنزل من السماء

<<  <   >  >>