للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ماءً فأخرج به من الثمرات رزقًا لكم فلا تجعلوا لله أندادًا وأنتم تعلمون﴾. [البقرة: ٢١، ٢٢].

فأمرهم بتوحيد الألوهية، وهو عبادتهُ، واحتَجَّ عليهم بتوحيد الرُّبوبية الذي هو خلقُ الناس الأَوَّلين والآخرين، وخلقُ السماءِ والأرضِ وما فيهما، وتسخير الرياح وإنزالُ المطر، وإنباتُ النبات، وإخراج الثمرات التي هي رزق العباد؛ فلا يليق بهم أن يُشركوا معه غيره؛ ممن يعلمون أنه لم يفعل شيئًا من ذلك، ولا من غيره، فالطريق الفطري لإثبات توحيد الألوهية: الاستدلال عليه بتوحيد الربوبية، فإن الإنسان يتعلق- أولًا- بمصدر خَلقه، ومنشأ نفعه وضره؛ ثم ينتقل بعد ذلك إلى الوسائل التي تقربه إليه، وتُرضيه عنه، وتُوثق الصلة بينه وبينه، فتوحيد الربوبية بابٌ لتوحيد الألوهية؛ من أجل ذلك احتج الله على المشركين بهذه الطريقة، وأمر رسَوله أن يحتج بها عليهم، فقال تعالى: ﴿قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون * سيقولون لله قل أفلا تذكرون * قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم * سيقولون لله قل أفلا تتقون * قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون * سيقولون لله قل فأنى تسحرون﴾ [المؤمنون: ٨٤ - ٨٩]، وقال تعالى: ﴿ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه﴾ [الأنعام: ١٠٢]؛ فقد احتج بتفرده بالربوبية على استحقاقه للعبادة، وتوحيد الألوهية (العبادة): هو الذي خلق الخلق من أجله؛ قال تعالى: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾ [الذاريات: ٥٦].

وهذا كثيرٌ في القرآن، فمن زعمَ أنَّ التوحيدَ هُو الإقرارُ بوجود الله، أو الإقرار بأن الله هو الخالق المتصرف في الكون، واقتصر

<<  <   >  >>