للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وطَاعَة الرَّسُول ومتابعته لَا تكون إِلَّا بتحقيق العُبُودِيَّة، وكثير مِمَّنْ يَدَّعِي المحبَّة يخرج عَنْ شَرِيعَته وسُنَّته ، ويَدَّعِي من الحَالَات مَا لَا يَتَّسِع هَذَا الموضع لذكره، حَتَّى قد يظنُّ أحدهم سُقُوط الأَمر وتَحْلِيل الحَرَام لَهُ، وغير ذَلِك مِمَّا فِيهِ مُخَالفَة شَرِيعَة الرَّسُول وسُنَّته وطاعته.

بل قد جعل الله أساس محبته ومحبة رَسُوله: الجِهَاد فِي سَبيله. والجهَاد يتَضَمَّن كَمَال محبَّة مَا أَمر الله بِهِ، وكَمَال بُغض مَا نهى الله عَنهُ، ولِهَذَا قَالَ فِي صفة مَنْ يُحِبهُمْ ويُحِبُّونَهُ: ﴿أَذِلَّة على المُؤمنِينَ أعزة على الكَافرين يجاهدون فِي سَبِيل الله ولَا يخَافُونَ لومة لائم﴾ [المَائِدَة: ٥٤].

ولِهَذَا كَانَتْ محبَّة هَذِه الأمة لله أكمل من محبَّة من قبلهَا، وعبوديتهم لله أكمل من عبودية من قبلهم، وأكمل هَذِه الأمة فِي ذَلِك هم أَصْحَاب مُحَمَّد ، ومَن كَانَ بهم أشبه كَانَ ذَلِك فِيهِ أكمل؛ فَأَيْنَ هَذَا مِنْ قوم يدَّعونَ المحبَّة؟

وفِي كَلَام بعض الشُّيُوخ: المحبَّة نَار تَحرق فِي القلب مَا سوى مُرَاد المحبوب. وأَرَادُوا أَنَّ الكَوْن كُله قد أَرَادَ الله وجوده؛ فظنوا أَنْ كَمَال المحبَّة أَنْ يحب العَبْد كل شَيْء، حَتَّى الكفْر والفسوق والعصيان، ولَا يُمكن أحد أَنْ يُحب كلَّ مَوْجُود، بل يحب مَا يلائمه وينفعه، ويُبغض مَا يُنَافِيهِ ويضره، ولَكِن استفادوا بِهَذَا الضلال اتِّبَاع أهوائهم، ثمَّ زادهم انغماسًا فِي أهوائهم وشهواتهم، فهم يحبونَ مَا يَهوونه؛ كالصور والرئاسة وفضول المَال والبدع المضلة، زاعمين أَنْ هَذَا من محبَّة الله. ومن محبَّة الله بغض مَا يُبغضه الله ورَسُوله وجِهَاد أَهله بِالنَّفسِ والمَال.

وأصل ضلالهم: أَنْ هَذَا القَائِل الَّذِي قَالَ: إِنْ المحبَّة نَار تحرق مَا سوى مُرَاد المحبوب، قصد بِمُرَاد الله تَعَالَى: الإِرَادَة

<<  <   >  >>