للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذِرَاعًا، ومَن تقرب إِلَيَّ ذِرَاعًا تقرَّبت إِلَيْهِ باعًا، ومَن أَتَانِي يمشي أَتَيْته هرولة» (١).

وقد أخبر الله سُبْحَانَهُ: أَنه يحب المُتَّقِينَ والمُحسنين والصَّابِرِينَ، ويُحب التوابين ويُحب المتطهرين، بل هُو يحب مَنْ فعل مَا أَمر بِهِ من واجِب ومستحب، كَمَا فِي الحَدِيث الصَّحِيح: «لَا يزَال عَبدِي يتَقرَّب إِلَيَّ بالنوافل حَتَّى أُحِبَّه، فَإِذا أحببته كنت سَمعه الَّذِي يَسمع بِهِ، وبَصره الَّذِي يُبصر بِهِ … »، الحَدِيث (٢)، وكثير من المخطئين الَّذين ابتدعوا أَشْيَاء فِي الزّهْد والعِبَادَة وقَعُوا فِي بعض مَا وقع فِيهِ النَّصَارَى من دَعْوى المحبَّة لله مَعَ مُخَالفَة شَرِيعَته، وترك المجاهدة فِي سَبيله، ونَحْو ذَلِك، ويتمسكون فِي الدَّين الَّذِي يَتَقَرَّبُون بِهِ إِلَى الله بِنَحْوِ مَا تمسك بِهِ النَّصَارَى من الكَلَام المُتَشَابه، والحكايات الَّتِي لَا يُعرف صدق قَائِلهَا، ولَو صدق لم يكن قَائِلهَا مَعْصُومًا، فيَجعلون مَتبوعيهم شارعين لَهُمْ دينًا، كَمَا جعل النَّصَارَى قِسيسيهم ورُهْبَانهمْ شارعين لَهُمْ دينًا، ثمَّ إِنَّهُمْ يَنتقصون العُبُودِيَّة، ويَدَّعونَ أَنْ الخَاصَّة يتعدَّونها، كَمَا يَدَّعِي النَّصَارَى فِي المَسِيح والقساوسة، ويُثبتون لخاصتهم من المُشَاركَة فِي الله من جنس مَا تُثبته النَّصَارَى فِي المَسِيح وأمه والقِسيسين والرهبان إِلَى أَنْواع أُخر يَطول شرحها فِي هَذَا الموضع.

وإِنَّمَا الدَّينُ الحقُّ هُو تَحْقِيق العُبُودِيَّة لله بِكُل وجه، وهُو تَحْقِيق محبَّة الله بِكُل دَرَجَة، وبقدر تَكْمِيل العُبُودِيَّة تكمل محبَّة العَبْد لرَبه، وتكمل محبَّة الرب لعَبْدِهِ. وبقدر نقص هَذَا يكون نقص هَذَا، وكلما كَانَ فِي القلب حب لغير الله- كَانَتْ فِيهِ عبودية لغير الله بِحَسب


(١) أخرجه البخاري (٧٤٠٥) ومسلم (٢٦٧٥) من حديث أبي هريرة ?.
(٢) أخرجه البخاري (٦٥٠٢) من حديث أبي هريرة ?.

<<  <   >  >>