وتوحيد خاصَّة الخاصة عندهم هو توحيد أهل وحدة الوجود، الذين يقولون: إنَّه ما ثَمَّت خالق ولا مخلوق، ولا عابد ولا معبود، وإنَّ الوجود كله واحد.
فإذًا كلٌّ من الفريقين (أهل الكلام والمتصوفة) لم يُقم وزنًا لتوحيد العبادة، ولم يُلق له بالًا، ولم يُعطه اهتمامًا، ولذلك نَبَّه شيخ الإسلام ﵀ هنا على توحيد العبادة، ودَلَّل على قيمته وبَيَّن منزلته؛ فقال:«وذلك أنَّ العبادة لله هي الغاية المحبوبة له، والمرضية له»؛ واللهُ تعالى بَيَّن قدرَ أهل الإيمان بقوله: ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ [المائدة: ٥٤]، وأثنى عليهم بأنهم أشد الخلق محبة له ﷾ فقال: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ﴾ [البقرة: ١٦٥]، قال العلامة عبد الرحمن السعدي ﵀ معلقًا على هذه الآية:«أصلُ التوحيد ورُوحه: إخلاص المحبة لله وحده، وهي أصلُ التأله والتعبد له، بل هي حقيقة العبادة، ولا يتم التوحيد حتى تكمل محبة العبد لربِّه، وتسبق محبته جميع المَحَابِّ وتَغلبها، ويكون لها الحكم عليها بحيث تكون سائر محابِّ العبد تَبَعًا لهذه المحبة التي بها سعادة العبد وفلاحه»(١).
فمحبةُ الله تعالى أمر عظيم ومقام جليل يَسعى إليه العبد، ولذلك قال الله ﷿: ﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم * قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين﴾ [آل عمران: ٣١ - ٣٢].
قال الإمام ابن كثير ﵀ في تفسيره لهذه الآية: «هذه الآية الكريمة حاكمةٌ على كلِّ مَنْ ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية؛ فإنَّه كاذب في دعواه في نفس الأمر، حتى يَتَّبع الشرع
(١) «القول السديد شرح كتاب التوحيد» للسعدي (ص ١٢٨).