للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إِنَّه من عبادنَا المخلصين﴾ [يُوسُف: ٢٤].

فَإِنْ المخلص لله ذاق من حلاوة عبوديته لله مَا يمنعهُ عَنْ عبوديته لغيره، ومن حلاوة محبته لله مَا يمنعهُ عَنْ محبَّة غَيره؛ إِذْ لَيْسَ عِنْد القلب السَّلِيم أحلى ولَا ألذ ولَا أطيب ولَا أسر ولَا أنعم من حلاوة الإِيمَان المتضمن عبوديته لله ومحبته لَهُ، وإخلاص الدَّين لَهُ، وذَلِكَ يَقْتَضِي انجذاب القلب إِلَى الله؛ فَيصير القلب منيبًا إِلَى الله خَائفًا مِنْهُ رَاغِبًا رَاهِبًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿من خشِي الرَّحْمَن بِالغَيْبِ وجَاء بقلب منيب﴾ [ق: ٣٣]، إِذْ المُحب يخَاف من زَوال مَطْلُوبه، أَوْ حُصُول مرغوبه؛ فَلَا يكونُ عبدَ الله ومُحِبَّه، إِلَّا بَين خوف ورجاء، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿أُولَئِكَ الَّذين يدعونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبهم الوسِيلَة أَيهمْ أقرب ويرجون رَحمته ويَخَافُونَ عَذَابه إِنْ عَذَاب رَبك كَانَ محذورًا﴾ [الإِسْرَاء: ٥٧].

وإِذا كَانَ العَبْد مخلصًا لله اجتباه ربه، فأحيا قلبه واجتذبه إِلَيْهِ، فَيَنْصَرِف عَنهُ مَا يضاد ذَلِك من السوء والفحشاء، ويخَاف من حُصُول ضد ذَلِك، بِخِلَاف القلب الَّذِي لم يخلص لله، فَإِنْ فِيهِ طلبًا وإِرَادَة وحبًّا مُطلقًا، فيهوى كل مَا يسنح لَهُ، ويتشبث بِمَا يهواه كالغصن، أَي نسيم مرَّ بِهِ عطفَه وأمالَه، فَتَارَة تجتذبه الصُّور المُحرمَة وغير المُحرمَة؛ فَيبقى أَسِيرًا عبدًا لمن لَو اتَّخذهُ هُو عبدًا لَهُ لَكَانَ ذَلِك عَيْبًا ونقصًا وذمًّا.

وتارَة يجتذبه الشّرف والرئاسة، فترضيه الكَلِمَة، وتغضبه الكَلِمَة ويَستعبده مَنْ يثني عَلَيْهِ ولَو بِالبَاطِلِ، ويعادي مَنْ يذمُّه ولَو بِالحَقِّ.

وتارَة يَستعبده الدِّرْهَم والدِّينَار، وأمثال ذَلِك من الأُمُور الَّتِي تستعبد القُلُوب، والقلوب تهواها؛ فيتخذ إِلَهًا هَواهُ، ويتبع هَواهُ بِغَيْر هدى من الله.

<<  <   >  >>